أحمد بني قيس

كورونا.. «إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»

الخميس - 25 نوفمبر 2021

Thu - 25 Nov 2021

كابدت البشرية جمعاء في عصرنا الراهن تحديا غاية في الخطورة تمثل هذا التحدي في انتشار مرض أطلق عليه اسم «كورونا» والذي نتج عن تداعياته إصابة مئات الآلاف من البشر وإزهاق أرواح الآلاف منهم ما جعله أسوأ وباء يمر على العالم منذ زمن طويل، الأمر الذي جعل العالم بأسره يوظف كافة إمكاناته وطاقاته العلمية والعملية في محاولة للسيطرة عليه والتخلص منه، إلا أن هذه الجهود واجهت الكثير من العقبات العلمية والمجتمعية وتمثلت العقبات العلمية بداية في صعوبة إنتاج علاج سريع فاعل وناجح، حيث لم يتمكنوا من فعل ذلك إلا بعد فترة من انتشاره وتمثل هذا العلاج في لقاحات أسهمت في تقليل خطر هذا الوباء ومكنت العالم من التصدي له.

أما العقبات المجتمعية والتي شملت الجميع سواء كانوا من الدول المتقدمة أو غير المتقدمة، تجلت في انتشار شائعات تحذر من خطورة تلك اللقاحات إما لانتشار مزاعم بينهم تقول بأنها ستؤدي بحياة من يتلقاها، وإما مزاعم تقول بأنها إحدى مخرجات نظرية المؤامرة فتسببت هذه الشائعات في إحجام الكثير عن تلقي تلك اللقاحات الأمر الذي فاقم من تداعيات «كورونا» وأسهم في انحسار القدرة على مجابهتها.

ولقد ذاقت السعودية من تداعيات انتشار وباء «كورونا» بين ظهرانيها الأمرّين حالها في ذلك حال بقية دول العالم إلا أنها تمكنت من مجابهة هذا الوباء بكل فاعلية وذلك من خلال سنّ الكثير من الإجراءات الاحترازية والوقائية وفي نفس الوقت عملت على استيراد جرعات كبيرة من اللقاحات التي أثبتت جدواها وفعاليتها كما أنها عملت على مجابهة الشائعات التي انتشرت وتداولها الجميع من خلال تكثيف الجرعات التوعوية عبر مختلف الوسائل التقنية التي كان أبرزها عقد مؤتمرات صحفية متلفزة بشكل يومي طوال سريان الجائحة والتي كان لها دور كبير في دحض كافة الشائعات التي كان يتم تناقلها وترويجها بين أفراد المجتمع مما قلل من خطورة هذه الشائعات واستسلام المجتمع لها.

جدير بالذكر أن الحكومة السعودية بمختلف أفرعها قامت بالعمل على توحيد الإجراءات والاحترازات بين تلك الأفرع ولقد تراوحت تلك الإجراءات ما بين إلزام الجميع بارتداء الكمامة والحرص على التباعد وصولا إلى الحظر التام للتنقل والحركة إلى جانب جعل أخذ اللقاحات المضادة لوباء «كورونا» ضرورة حتمية لا يمكن التهرب منها وذلك عبر اللجوء لتقييد حركتهم باستخدام تطبيق تقني جديد تم استحداثه يُدعى «توكلنا»، أسهم هذا التطبيق في ضبط كافة الممارسات غير المنسجمة مع التوجيهات والتعليمات التي أصدرتها مؤسسات الدولة الأمر الذي أجبر الغالبية العظمى من أفراد المجتمع على أخذ اللقاحات وجعل تجاهل أو تعمد عدم أخذها أمرا منبوذا ومحاربا خاصة من قِبَلْ أولئك الذين يريدون أن تسير حياتهم اليومية بشكل طبيعي قدر الإمكان.

ولقد أسهمت هذه الخطوات الحكومية في جعل السعودية رائدة عالميا في مجال مكافحة هذه الجائحة الأمر الذي خلق انطباعا عالميا غاية في الإيجابية عنها وعن حكومتها ولقد كان للسعودية ما أرادت في حربها على «كورونا»، حيث تقلصت أعداد المصابين والمتوفين جراء الإصابة بهذا الوباء بشكل سريع ما جعلها مؤخرا تلجأ لتخفيف حدة هذه الإجراءات الاحترازية بعد أن وصل عدد من أخذوا اللقاحات من أفراد المجتمع إلى أعداد شبه كلّية.

الحقيقة الكلام يطول حول السُبل التي عملت القيادة السعودية على تنفيذها في حربها ضد هذا الوباء ولكن ما يجب ذكره أن هذه الجائحة بقدر ما أثرت على مجريات حياتنا سلبا بقدر ما أسهمت في خلق قناعات وسلوكيات إيجابية جديدة ولعل أهمها تجلى في عدم الإذعان للإشاعات والتسليم بصحتها وأيضا في الإيمان بأن قيادتنا لا يمكن لإجراءاتها أن تتسبب في إحداث أي ضرر لنا ولذوينا، كما تعلمنا من التعرض لهذه الجائحة أيضا أن كل ما يأتي به الله خير وإن توهم بعضنا خلاف ذلك وأن المثل القائل «رب ضارة نافعة» ينطبق بالفعل على حال هذه الجائحة؛ فمثلا لقد تفوقنا في المجال التقني، حيث تطورت الكثير من التطبيقات الذكية التي أسهمت في جعل حياتنا اليومية أكثر إيجابية وأكثر سلاسة سواء في الجوانب التعليمية أو الجوانب العملية، وخلقت بيئة مرحبة بهذا التطور التقني وفاعلة في التعامل معه وهذا الحال ما كان له أن يكون بهذه السرعة والفاعلية لولا الله ثم هذه الجائحة.

وأخيرا إن تلك الأوضاع الصعبة التي صاحبت انتشار «كورونا» في البداية جنينا ثمار المجابهة الإيجابية لها كما أسلفت وخير دليل على ذلك هي الأوضاع الصحية الجيدة التي نعيشها هذه الأيام ما يجعلنا نرى بأن كل أزمة مصيرها الفرج وهذا تماما ما أشار إليه ابن النحوي حين قال:

اشتدي أزمة تنفرجي / قد آذن ليلُك بالبلجِ

وقبله قال ربنا عز وجل: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» فالحمدلله من قبل ومن بعد.

ahmed_baniqais@