علي الحجي

التفكير الناقد بدلا من الناقم

الثلاثاء - 12 أكتوبر 2021

Tue - 12 Oct 2021

أقدمت وزارة التعليم على خطوة نوعية بإدراج مناهج جديدة تعنى بالتفكير الناقد والفلسفة، تستهدف شخصية الطالب وفكره وأساليب تعامله مع الحياة المتجددة والمتطورة، وتتناسب مع متغيرات العالم من حولنا.

فالعالم منذ قرنين يسير بوتيرة متسارعة في التحول من الأفكار الصلبة إلى الأفكار السائلة المرنة القابلة للتكيف، فصلابة الأفكار وكثرة الثوابت كانت تتناسب مع العصور القديمة التي تسودها العزلة وقلة الأمان، التي تستوجب صياغة أفكار صلبة والتكتل حولها، لكن مع انفتاح العالم ووسائل الاتصال الحديثة أصبح العالم الآن متماس، بل ومندمج مع بعضه، فموقف إنساني في الصين يحرك أمريكا، وزلزال في اليابان يهز بورصة لندن، ومطالبات حقوقية وإنسانية في إيران يؤيدها الشارع الفرنسي، وطالب سعودي يعيش في غرفة واحدة مع طالب هندي في كندا، يشجعان معا فريقا أسبانيا، ويشاهدان فيلما إيطاليا، هذا التواصل لم يكن أحد يحلم به قبل قرنين.

الإنسان مفطور على حب الاستكشاف والتفكير وإصدار الأحكام، فمنذ طفولته وهو يبحث ويجس الأشياء من حوله ويحاول الربط بين ما يراه من أشياء وأفعال وأحداث، فيسأل ويماحك ويشك ويستفهم، ثم يبدي رأيه أو يتساءل ماذا لو؟

وكل إنسان يفكر هو بالتأكيد يتبع منهجا في تفكيره، وإن كان بشكل بدائي لا شعوري متوارث، هذه الميزة تولد وإما أن تنمى وتغذى ليصبح مفكرا موضوعيا حقيقيا، أو تقلم وتكبت فيصبح جزءا من العقل والفكر الجمعي أو الجماعي.

المجتمعات المتقدمة تقدمت؛ لأنها رعت محاولات الاستكشاف والبحث والخروج عن النسق العام، وهذا ما أنتج اكتشافات عادت عليهم بالنفع وقفزت بهم قفزات، فبالتفكير المنظم بأشكاله المتنوعة اكتشف الإنسان الذرة وتمكن من تطوير الزراعة، والآن في طريقه لعلاج الأمراض الوراثية للإنسان من خلال دراسة جيناته، بينما المجتمعات المقولبة لم تعط الفرصة للأفراد بالخروج والاستكشاف ولم تؤهلهم لذلك، وحتى وإن حاولوا إعمال عقولهم فإنهم غير مؤهلين، لذلك فهم عالة على الدول المنتجة للمعرفة.

أما فيما يخص تدريس التفكير الناقد والفلسفة فهي بلا شك خطوة عظيمة، وإن كانت ببدايات متعثرة وردود فعل ساخرة، فصياغة المقررات بشكل منفر، وإسنادها إلى معلمين غير مؤهلين ستنتج مخرجات هشة في البداية، لكنها خطوة أولى حتى تتمكن الجامعات من تخريج معلمين مؤهلين وقادرين على تحقيق الأهداف التي وضع المنهج من أجلها.

ختاما كنت أتمنى من وزارة التعليم عدم حصر تدريس مقررات التفكير الناقد لتخصصات معينة، بل إعطاء الأولوية لمن لديهم الرغبة في تدريسها، لأنهم سيبحثون لتطوير قدراتهم لسد مشكلة عدم التأهيل.