غسان بن محمد عسيلان

لا تسخروا من أحد.. اجبروا خواطر الناس ولو بابتسامة!

الاثنين - 04 أكتوبر 2021

Mon - 04 Oct 2021

جبر الخواطر من الأخلاق الإسلامية التي تدل على رقة القلب، وسلامة الصدر، وسمو الروح، وعظمة النفس، بل تدل كذلك على رجاحة العقل، فأي إنسان لا يضمن من أمره شيئا في هذه الدنيا!! فقد يصبح الإنسان عزيزا قويا مهاب الجانب لكن يمسي ضعيفا لا حول له ولا قوة!! وقد يمسي المرء غنيا ويصبح فقيرا، بل ربما يصير في أمس الحاجة إلى من يقدم له ولو شربة ماء!!

وقد جبر الله عز وجل خواطر أنبيائه عليهم السلام، لأن ذلك يدعم نفوسهم ويعزز من ثقتهم في أنفسهم، ويصبرهم على ما يقع لهم من هموم، وما يصيبهم من أذى، ومن ذلك قول الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ وهذه الآية تجبر خاطر كل مسلم؛ لأن فيها بشارة من الله ورسالة إلى كل مهموم ومغموم، وكل صاحب حاجة، ففيها وعد بالفرج لكل من وقع في بلاء وفتنة، فالله يجبر قلب كل من لجأ إليه بصدق، حيث يفرج عنه حتى يرضى.

ومن الأحداث التي ورد ذكرها في القرآن وتدل على أهمية جبر الخواطر قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ فعندما عزم أخوة يوسف عليه السلام على التخلص منه برميه في البئر كان هذا الوحي من الله -سبحانه وتعالى- لتثبيت قلبه وجبر خاطره؛ لأنه ظلم وأوذي من أخوته، والمظلوم يحتاج إلى من يجبر خاطره ولو بكلمة طيبة.

وها هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤذيه قومه، ويخرجونه من بلده مكة التي أحبها، فعظم عليه الخطب؛ لأنه أخرج منها ظلما، ودمعت عيناه وهو خارج وقال «والله إنك لأحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» وفي مثل هذا الموقف وهذا الفراق يحتاج الإنسان إلى المواساة والتثبيت، فجبر الله خاطره بقوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، حيث أقسم عز وجل له بأن الذي فرض عليه القرآن، وأرسَله رسولا، وأمرَه بتبليغ شرعه، سيردُّه إلى موطنه مكة عزيزا منتصرا، وهو بالفعل ما حصل بعد سنوات معدودة.

وفي حياتنا اليومية هناك مواقف كثيرة ينبغي لنا فيها جبر الخواطر المكسورة، وتطييب النفوس الجريحة، فهذا من علامات النبل ورقي الأخلاق، ومن ذلك الرفق بالضعفاء والمساكين واليتامى، وعدم كسر خواطرهم والتلطف معهم ولو بالكلمة الطيبة والابتسامة الرقيقة، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ فمن توجيه الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ولأمته الرفق باليتامى وجبر خواطرهم، فالمسلم لا يقهر اليتيم، ولا يذله، بل يطيب خاطره، ويحسن إليه، كما نهانا الله تعالى عن نهر السائل ولومه وتأنيبه وتقريعه بالكلام، بل أمرنا عز وجل بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل السؤال وذل اللوم والتقريع، فمن لا يقدر على مساعدته لا يؤذيه بنظراته الحادة وكلامه الجارح، بل يطيب خاطره ولو بابتسامة رقيقة!!

ومن جبران الخواطر تعزية أهل الميت ومواساتهم، وتخفيف آلام مصابهم بفقد ميتهم، وكذلك التلطف مع الفقراء وعدم التكبر عليهم والاستهزاء بهم، وعدم استغلال فقرهم للسخرية منهم والضحك عليهم، وللأسف نرى هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع سيئة لأشخاص يسخرون من الفقراء ويستهزئون بهم ويستخفون بمشاعرهم، بل هناك من يستغل فقرهم وحاجتهم فيأمرونهم بفعل حركات سخيفة للسخرية منهم، ووصل الأمر بطبيب يطلب من ممرض يعمل عنده أن يحترم كلبه ويؤدي لهذا الكلب حركات التقدير والاحترام في منتهى السخرية والاستخفاف!! فهل يضمن هذا الطبيب دوام حاله من الغنى والثراء ليتجبر على الفقراء ويستغل حاجتهم للعمل عنده ليهين مشاعرهم ويستخف بها بهذا الشكل المهين؟!!

إن من أجمل أخلاق الإسلام الإحسان إلى الخلق، واحترام مشاعرهم والرفق بهم وجبر خواطرهم، فكم من عامل يعمل في حر الشمس سعيا على رزقه، فما أحرانا أن نتلطف معه أو نبتسم في وجهه جبرا لخاطره! وما أحرانا أن نجبر خاطر صاحب الحاجة الذي انكسر قلبُه، وذلَّت نفسُه، وضاق صدرُه، فنجعل له من مالنا أو من طعامنا نصيبا، ولو الشيء القليل، وإن لم نستطع فلا ننسى أن نتلطَّف مع هؤلاء ونجعل لهم نصيبا من دعائنا! بذلك نجبر كسرهم، ونُطيِّب قلوبهم، ولا نشعرهم بالنقص.

وفي هذا العصر تزداد الحاجة إلى مواساة الناس، والتخفيف عنهم وتطييب خواطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المكسورة كثر، نظرا لكثرة الهموم وتزايد ضغوط الحياة.

@GhassanOsailan