غسان بن محمد عسيلان

هل ننتظر حتى تدمر وسائل التواصل الاجتماعي قيم المجتمع؟!

الاثنين - 27 سبتمبر 2021

Mon - 27 Sep 2021

يتمتع مجتمعنا (السعودي) بالكثير من القيم المستمدة من الشريعة الإسلامية والأخلاق والشيم العربية الأصيلة، ومن أبرز هذه القيم احترام الأسرة، واحترام المرأة والمحافظة عليها، واحترام خصوصية العلاقة الزوجية وعدم كشفها أو التحدث عنها أمام الآخرين حتى لو كانوا من الأقارب أو صفوة الأصدقاء؛ إذ من المروءة ألا يصف أحد الزوجين زوجه للآخرين ولا يتحدث بما يكون بينهما من خصوصيات العلاقة الزوجية.

ومن أخلاق مجتمعنا (السعودي) كذلك احترام الكبير والعطف على الصغير، وإغاثة الملهوف، وتقديم يد العون والمساعدة لكل محتاج، وعدم التشهير بأحد، والستر على عباد الله، وعدم تتبع عورات الناس، واحترام المعلم، ووضعه في مكانة رفيعة تقديرا لما يحمله من علم، واحتراما لدوره في تربية النشء وتعليم الأجيال الجديدة.. وقد استمر مجتمعنا على مدى قرون يتناقل هذه القيم النبيلة ويحتفي بها، ويضعها في مكانتها اللائقة التي تستحقها من التكريم والإجلال.

لكن مع توافر أجهزة الجوالات الذكية في السنوات الأخيرة بدأنا نلاحظ تجرؤ البعض على خرق قيم المجتمع، وبدأ من يسمون بالمشاهير -وتبعهم آخرون- في تصوير مقاطع لأنفسهم في منازلهم وأعمالهم وأسفارهم وهم يقومون بأشياء مختلفة، ثم بدأنا نرى البعض يصورون آباءهم وأمهاتهم وأخوتهم وأخواتهم وأولادهم وزوجاتهم.. ولا بأس في ذلك إن كان هناك فائدة معينة أو هدف ما من هذه المقاطع كنشر القيم والفضائل بين الناس مع الحفاظ على قيم المجتمع وأخلاقياته، لكن للأسف أغلب ما ينشر من مقاطع فيه قدر من الإسفاف والابتذال، حتى وصل الأمر إلى أن يصور أحدهم نفسه وزوجته وهما في أحوال خاصة!!

ولم يقتصر الأمر على تصوير أفراد الأسرة والأقارب، والتفاخر بالممتلكات والسفريات وغير ذلك، بل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات للانتقام والتشهير والتنمر على الآخرين؛ فهذا يصور مقطعا لبائعة مسكينة تكافح من أجل كسب بعض المال لمساعدتها في تربية أبنائها الذين تركهم أبوهم، وهذا يصور عاملا وافدا في وضع بائس ليضحك عليه هو وأصحابه.

وتفاقمت الأوضاع حتى بدأنا نرى ونسمع عن بعض الفتيات يصورن بعض مفاتن أجسادهن ويستعرضنها أمام متابعيهن، وهناك من الطلاب من قام بتصوير أستاذ يتكلم معهم ليحثهم على الجدية والعمل والمثابرة بدلا من الإهمال والاستهتار، وإهدار الساعات الطويلة في العبث واللهو!!

والسؤال المهم هو: هل ننتظر حتى تدمر وسائل التواصل الاجتماعي قيم المجتمع؟ أليست المحافظة على هذه القيم مهمة عظيمة ينبغي أن نشارك فيها جميعا كل بحسب موقعه؟ ألا توجد تنظيمات وقوانين تنظم عملية التعامل مع البيئة المعلوماتية والشبكة العنكبوتية العالمية؟ وإن كان ينقصنا سن بعض القوانين المنظمة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي فما الذي يحول دون ذلك؟

نعم من المطلوب احترام حقوق الإنسان ومن بينها بالطبع حقه في استخدام التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن يكون ذلك بالشكل الصحيح الآمن الذي يحترم حقوق الآخرين ويحافظ على قيم المجتمع، ولا ينتهك خصوصية أحد.

كما ينبغي احترام مكانة المعلم والمحافظة عليها وتوفير البيئة المناسبة له ليقوم بدوره في تربية النشء وتعليمهم ونقل العلم والمعرفة إلى الأجيال الجديدة وفقا للقواعد والأعراف المرعية، ويكون ذلك بالطبع في إطار القوانين المنظمة لعمله، فليست يد المعلم ولا الأستاذ الجامعي مطلقة في التعامل مع الطلاب بحسب أهوائه الشخصية، بل هناك لوائح تنظم عمله، وبالتالي ينبغي توفير الحماية له لتمكينه من القيام بواجبه على أكمل وجه، ولا تكون جوالات الطلاب سيفا مسلطا على رقاب معلميهم يشهرونه في أي وقت لعقاب من لا يعجبهم من المعلمين!!

نعم حرية استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي مكفولة للجميع لكن في إطار المحافظة على قيم مجتمعنا السعودي المسلم المحافظ.

لقد خلق الله الإنسان وكرمه، ورفعه على سائر مخلوقاته، ومنحه الفطرة السوية، وأعطاه حرية الإرادة وأهلية الاختيار ليختبره بذلك، وأمره بترك الشر وفعل الخير، قال تعالى: ﴿ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها﴾.

إن سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الذي يستشري بيننا يدعونا إلى الإسراع في إعادة النظر في القواعد التي تنظم استخدامها؛ وذلك للحفاظ على قيم المجتمع وأخلاقه قبل أن تودي بها وسائل التواصل الاجتماعي التي توجه سلوك الشباب والفتيات الآن، وتغذي طريقتهم الحديثة في النظر إلى الحياة باعتبارها مجرد مرتع لإشباع الشهوات والغرائز.

GhassanOsailan@