فهد الحازمي

عن «محور الكون»

السبت - 30 يوليو 2016

Sat - 30 Jul 2016

طريقة تصميم مواقع المشاركة الاجتماعية مثل فيس بوك وانستقرام تدفع لانتشار سلوكيات معينة لم تكن شائعة من قبل. فيس بوك وانستقرام مثلا يعطيان المستخدم مجالا واسعا للتعبير عن نفسه وعن حياته. هذه الطريقة في التصميم والتي ميزت العديد من الشبكات الاجتماعية - مثل التايملاين - تدفع المستخدم للمشاركة والتفاعل مع الآخرين بطريقة تعزز من هذه السلوكيات. لنبدأ بـ «محور الكون» والذي امتلأت به الشبكات الاجتماعية بحيث لا يتحدث هؤلاء في الشبكات الاجتماعية إلا عن أنفسهم وإنجازاتهم وقصصهم وصورهم الاحترافية وأصدقائهم ورحلاتهم وأحزانهم وسائر التفاصيل العابرة في حياتهم.

علميا شهدت الأبحاث عن النرجسية في الانترنت تصاعدا مع استخدام الشبكات الاجتماعية. إحدى الدراسات النفسية المبكرة عن فيس بوك استنتجت أنه يمثل بيئة خصبة للتعبير عن النسخة «المثالية» التي يحب أن يبرزها المستخدم عن نفسه بدلا عن شخصيته الحقيقية، كما وجدت أن النرجسية مرتبطة مع النشاط المتزايد للمستخدم في الشبكات الاجتماعية. لكن العكس ليس صحيحا، فالعديد من مستخدمي الشبكات الاجتماعية نشطون لأسباب مختلفة وعديدة من دون أن يكون لها علاقة بالنرجسية.

تتابعت الأبحاث عن العلاقة بين الصفات النفسية وبين استخدام هذه المواقع الاجتماعية ولعلي أشير إلى معلومات طريفة منها، حيث وجد باحثون أن النرجسية مرتبطة بالكتابة عن الإنجازات الشخصية والبرنامج الغذائي والنشاط الرياضي، كما وجدوا - على عكس المتوقع - أن زيادة الكتابة عن الشريك الرومانسي الآخر مرتبطة مع قلة الاعتزاز بالنفس، فهؤلاء الذين «يتباهون» بعلاقاتهم - بحسب هذا البحث - هم أقل الناس ثقة بأنفسهم. أحدث الأبحاث تشير إلى أن زيادة معدلات النرجسية لدى الشخص مرتبطة بقلة التفاعل الذي يستقبله من علامات إعجاب وتعليقات. هذه المعلومة مهمة لأن هناك انطباعا شائعا أن النرجسيين يحصلون دائما على الاهتمام والإعجاب فيما الواقع يخبرنا بالعكس تماما.

أؤكد القول إن هذه المواقع ليست بالضرورة مرتبطة بالنرجسية، لكن النرجسيين وجدوا من خلالها منبرا فريدا ليعبروا فيه عن ذواتهم المكتملة، فاستخدام هذه المواقع بحد ذاته لا علاقة له بالنرجسية لكن طريقة الاستخدام والتفاعل تعطينا الكثير من الدلائل حول الصفات النرجسية لدى المستخدم. في الواقع أن الكثير من السلوكيات النرجسية أصبحت عادية جدا، بل جالبة لنقاط الإعجاب والاهتمام خصوصا لدى أولئك الذين لا شغل لديهم في الحياة سوى الكتابة في هذه المواقع والتفاعل فيها. لذلك لا عجب من تزايد الشريحة التي تعتقد أن لها رأيا مهما بخصوص كل قضية محلية كانت أو دولية جدير بالعالم أن يسمعه. يتحدث في السياسة والاقتصاد والمشاكل الاجتماعية والأخبار التقنية وملاحم الرومان والثورة الإسبانية وأفضل النصائح للتجول في مدينة بنما.

بطبيعة الحال هذا جزء من التغيير الذي سيصعب على الكثيرين فهمه، وهو الطريقة التي يعبر فيها الناس عن ذواتهم «المثالية» بفضل وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك كثيرا ما تقف منذهلا أمام منشورات صديقك الذي سهرت معه الليلة السابقة، وبالمقابل تستغرب من الفرق الشاسع بين الشخصية الالكترونية والشخصية الواقعية حينما تقابل ذاك القابع خلف المعرفات أو حتى تسمع قصصهم. هذا التباين بين العالم الواقعي والعالم الافتراضي ليس نفاقا بالضرورة، بل هو تأقلم طبيعي مع المزايا التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي.

قد نتفق أو نختلف حول طبيعة الناس وصفاتهم الشخصية لكننا نقلل من الدور الذي تلعبه البيئة بما فيها الوسائل الالكترونية والتي تجبرنا على التفاعل بطريقة ما تضع شخصياتنا في قالب ما قد لا يكون مطابقا لما نحن عليه في الواقع. لكن لا ننسى أن المستخدم هو من يختار القالب الذي يظهر فيه. فهل تعرف قالبك؟