روبوت وراء اغتيال أشهر عالم إيراني

نيويورك تايمز تكشف تفاصيل العملية السرية الغامضة لمقتل فخري زاده الموساد نفذ حملات تخريب وهجمات الكترونية طالت المنشآت النووية نتنياهو ألمح إلى الاغتيال قبلها بسنوات، وأمريكا كانت على علم بالعملية محلل حرب الكترونية: نظرية الروبوت القاتل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار
نيويورك تايمز تكشف تفاصيل العملية السرية الغامضة لمقتل فخري زاده الموساد نفذ حملات تخريب وهجمات الكترونية طالت المنشآت النووية نتنياهو ألمح إلى الاغتيال قبلها بسنوات، وأمريكا كانت على علم بالعملية محلل حرب الكترونية: نظرية الروبوت القاتل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار

الاحد - 19 سبتمبر 2021

Sun - 19 Sep 2021

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تفاصيل مثيرة حول اغتيال مطور البرنامج النووي الإيراني وأشهر علمائه محسن فخري زاده، القيادي البارز في الحرس الثوري، ورئيس مركز الأبحاث والتكنولوجيا لدى وزارة الدفاع الإيرانية، والتي حدثت قبل شهور.

وأكدت تقارير أن الموساد الإسرائيلي يقف خلفها.

وحملت الرواية الجديدة التي نقلتها (العربية نت) عن الصحيفة الأمريكية أن عملية الاغتيال جرت من خلال روبوت جرى تصميمه بالذكاء الاصطناعي، وعبر عملية دقيقة لم تستغرق أكثر من 60 ثانية، وحيرت المخابرات الإيرانية التي لم تكشف تفاصيلها حتى الآن.

وفيما اتهمت إيران إسرائيل، التي سبق أن تعهدت مرارا باتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، بالوقوف وراء هذه العملية، تعددت الروايات حول مقتل أشهر عالم ذري إيراني، قبل أن تنقل نيويورك تايمز الرواية الأقرب للحقيقة.

قرار الاغتيال

بدأت القصة يوم 27 نوفمبر من العام الماضي، بعد عملية الاغتيال التي جرت في مدينة أبسرد بدماوند التابعة للعاصمة طهران، وأحرجت النظام الإيراني بصورة كبيرة، لا سيما أنها جرت في قلب العاصمة الإيرانية وفي غفلة من مخابراتها.

وأشارت المعلومات الجديدة أن زاده استيقظ فجر يوم الاغتيال، منطلقا مع زوجته إلى منزلهما الصيفي في الريف بمنطقة أبسارد، حيث كانا يعتزمان قضاء عطلة نهاية الأسبوع، ورغم أن جهاز المخابرات الإيراني حذره من احتمال وجود مؤامرة اغتيال بحقه، إلا أن العالم لم يسمع، بل نفى ذلك تماما وأكمل روتين حياته بشكل طبيعي.

ويشير التقرير إلى أن إسرائيل كانت على قناعة بأن العالم القتيل يقود جهود إيران لبناء قنبلة نووية، ولهذا اتخذت قرار قتله من 14 عاما، في حين أصر زاده على أن يعيش حياة طبيعية على الرغم من موقعه البارز في المؤسسة العسكرية الإيرانية، فغالبا ما كان يقود سيارته الخاصة بدل الحراس، رغم نصائح فريقه الأمني، خارقا بروتوكولات الحماية، فيوم الاغتيال كان يقود سيارته السوداء من نوع نيسان تينا سيدان، وزوجته كانت في مقعد الراكب المجاور له وحيدين دون مرافقة.

خطة الموساد

ويشير التقرير الجديد إلى أن «الموساد» عمل على منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، ونفذ حملات تخريب وهجمات الكترونية طالت منشآت تخصيب الوقود النووي الإيراني، وكان ينتقي بشكل منهجي الخبراء الذين يعتقد أنهم يقودون برنامج الأسلحة النووية الإيراني، وفي 2007 اغتال عملاؤها 5 علماء نوويين إيرانيين وجرحوا آخر، عمل معظم هؤلاء القتلى بشكل مباشر مع فخري زاده على ما قال مسؤولو المخابرات الإسرائيلية، إنه برنامج سري لبناء رأس حربي نووي، كذلك قتل عملاء إسرائيليون الجنرال الإيراني المسؤول عن تطوير الصواريخ و16 من أفراد فريقه.

وفي 2009، وبينما كان فريق اغتيال إسرائيلي ينتظر فخري زاده في الموقع المخطط له في طهران، ألغت إسرائيل العملية في اللحظة الأخيرة، حيث اشتبه الموساد في أن المؤامرة قد اخترقت وأن إيران نصبت كمينا.

تقارير متناقضة

وفي يوم عملية الاغتيال، أوقف عملاء إيرانيون يعملون لصالح الموساد شاحنة بيك آب زرقاء من طراز نيسان زامياد على جانب الطريق الذي يربط أبسارد بالطريق السريع الرئيسي، وعند بقعة كانت على ارتفاع طفيف، خُبئ تحت القماش المشمع ومواد البناء في صندوق الشاحنة، مدفع رشاش قناص عيار 7.62 ملم، وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا، تلقى فريق المنفذ إشارة بأن فخري زاده وزوجته وفريقا من الحراس المسلحين في سيارات مرافقة كانوا على وشك المغادرة إلى أبسارد، وحينها تولى الفاعل، وهو قناص ماهر، موقعه، وضبط البندقية ورفع السلاح ممسكا الزناد.

وبعد العملية وردت تقارير إخبارية كثيرة كانت مربكة ومتناقضة وخاطئة في الغالب، وذكر أحد التقارير أن فريقا انتظر على طول الطريق حتى يمر فخري زاده بسيارته، في حين قال آخر إن السكان سمعوا انفجارا كبيرا أعقبته نيران مدفع رشاش.

وأفادت إحدى الروايات بأن شاحنة انفجرت أمام سيارة فخري زاده ثم قفز 5 أو 6 مسلحين من سيارة قريبة وفتحوا النار عليه، فيما نقلت قناة تابعة للحرس الثوري الإيراني وقوع اشتباك بالأسلحة بين حراس العالم والمهاجمين، واستمرت تلك التقارير بالورود حتى بعد مرور أيام على الحادث.

رواية الروبوت

ورغم سخرية بعض الإيرانيين على الرواية التي قالت إن القاتل كان روبوتا صمم بالذكاء الاصطناعي، إلى أن محلل الحرب الالكترونية توماس ويثينجتون ذكر لصحيفة «نيويورك تايمز»، أن نظرية الروبوت القاتل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار مع قليل من الإضافات، معتبرا وصف إيران لما يحدث عادة كلمات طنانة لا أكثر، إلا في هذه الحادثة، فقد شدد فعلا على أن الفاعل هو روبوت قاتل.

ووفقا لمقابلات أجريت مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين وإيرانيين، بمن فيهم مسؤولان استخباريان مطلعان على تفاصيل التخطيط للعملية وتنفيذها، وتصريحات عائلة القتيل لوسائل إعلام إيرانية، فإن نجاح العملية كان نتيجة عوامل عدة، أهمها الإخفاقات الأمنية الخطيرة التي يتحمل مسؤوليتها الحرس الثوري الإيراني، واللامبالاة التي تعامل فيها فخري زاده مع التحذيرات.

تحالف أمريكي

ويرى مراقبون أن التقنية العالية التي استخدمتها إسرائيل وراء نجاح عملية اغتيال العالم الإيراني، حيث تم توظيف الذكاء الاصطناعي ووضع أنواع كاميرات عدة تعمل عبر الأقمار الصناعية، قادرة على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة، إضافة إلى المدفع الرشاش المعزز بخاصية التحكم عن بعد، والطائرة القتالية دون طيار التي استخدمت ضمن ترسانة أسلحة عالية التقنية للقتل المستهدف عن بُعد، حيث إن هذا السلاح لا يلفت الانتباه ويمكن له إسقاط طائرة دون طيار ويضعها في أي مكان.

وبدأت الاستعدادات لاغتيال زاده مطلع 2020 بين مسؤولين إسرائيليين بقيادة مدير الموساد يوسي كوهين، ومسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، بمن فيهم الرئيس دونالد ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو ومديرة وكالة المخابرات المركزية جينا هاسبيل، وطيلة الفترة الماضية لم ترفع إسرائيل أعينها عن فخري زاده أبدا، بل كان على رأس المطلوبين منذ 2007.

وتشير التقارير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في مؤتمر صحفي عرض خلاله الوثائق التي حصل عليها الموساد من الأرشيف النووي الإيراني، «تذكروا هذا الاسم جيدا»، مشيرا إلى فخري زاده، وكأنه يلمح إلى التخطيط لعملية اغتياله.

بناء الروبوت

وحسب التفاصيل التي نشرتها «نيويورك تايمز»، تم بناء الروبوت ليناسب سرير بيك آب زامياد، وهي مركبة شائعة الاستخدام في إيران، حيث تم تركيب كاميرات تغطي اتجاهات عدة لإعطاء غرفة القيادة صورة كاملة ليس فقط للهدف بل لتفاصيله الأمنية، وللبيئة المحيطة به، إلى أن أصبحت المركبة مليئة بالمتفجرات، بحيث يمكن تفجيرها إلى أجزاء صغيرة بعد القتل، مما يؤدي إلى إتلاف جميع الأدلة.

وتمت برمجة الذكاء الاصطناعي للتعويض عن التأخير والاهتزاز وسرعة السيارة، فيما كان التحدي الآخر هو تحديد الوقت الفعلي، حيث إن فخري زاده هو من كان يقود السيارة وليس أحد أبنائه أو زوجته أو حارسه الشخصي، وذلك ولأن إسرائيل تفتقر إلى قدرات المراقبة في إيران التي تمتلكها في أماكن أخرى كانت العملية صعبة، وكان الحل يكمن بوضع سيارة مزيفة معطلة، مستندة على رافعة مع عجلة مفقودة، عند تقاطع الطريق الرئيسي، فيصبح على المركبات المتجهة إلى المتنزه الذي توجه إليه العالم ضرورة الانعطاف للخلف على بعد حوالي ثلاثة أرباع ميل من منطقة القتل، واحتوت تلك السيارة على كاميرات أيضا.

لحظة الاغتيال

ووفقا للتقرير، عندما غادرت القافلة مدينة رستمكالا على ساحل بحر قزوين، حملت السيارة الأولى عنصرا أمنيا، وتبعها سيارة نيسان سوداء غير مدرعة يقودها فخري زاده مع زوجته صادقة قاسمي إلى جانبه، واتبعت الموكب سيارتان أمنيتان.

وقبل الساعة 3:30 مساء بقليل، وصل الموكب إلى المنعطف، وتوقفت سيارة فخري زاده تقريبا، وتم التعرف عليه بشكل تام من قبل المشغلين الذين تمكنوا أيضا من رؤية زوجته جالسة بجانبه، فأطلق المدفع الرشاش رشقة من الرصاص أصابت مقدمة السيارة، ولم يتضح ما إذا كانت هذه الطلقات أصابت فخري زاده، إلا أن السيارة انحرفت وتوقفت.

عدّل مطلق النار الرؤية وأطلق رشقة أخرى، فأصابت الزجاج الأمامي 3 مرات على الأقل، وضرب فخري زاده مرة واحدة على الأقل في كتفه.

وحين نزل من السيارة جلس بوضعية القرفصاء خلف الباب الأمامي المفتوح، واخترقت 3 رصاصات عموده الفقري، ثم انهار على الطريق، ثم ركضت زوجته إليه فقال لها «يريدون قتلي وعليك المغادرة»، إلا أنها جلست على الأرض ووضعت رأسه على حجرها.

رائحة الدم

وتؤكد الرواية أن الانفجار كان هو الجزء الوحيد من العملية الذي لم يسر كما هو مخطط له، فقد كان الهدف تمزيق الروبوت إلى أشلاء حتى لا يتمكن الإيرانيون من تجميع ما حدث، وبدلا من ذلك، تم إلقاء معظم المعدات في الهواء ثم سقطت على الأرض، وتضررت بشكل لا يمكن إصلاحه إلا أنها كانت واضحة المعالم.

وكان تقييم الحرس الثوري بأن الهجوم نُفذ بمدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد، مزود بنظام أقمار صناعية ذكي باستخدام الذكاء الاصطناعي، واستغرقت العملية بأكملها أقل من دقيقة أطلقت خلالها 15 رصاصة.

وأشار محققون إيرانيون إلى أن زوجة فخري زاده لم تصب مع أنها كانت جالسة على بعد بوصات، وهي الدقة التي نسبوها إلى استخدام برمجيات التعرف على الوجه.

وأوضح ابن القتيل حامد فخري زاده، لاحقا، أنه كان في منزل العائلة في أبسارد عندما تلقى مكالمة استغاثة من والدته، ووصل في غضون دقائق إلى مكان الاغتيال الذي وصفه بأنه مشهد حرب كاملة، فقد منع الدخان والضباب رؤيته واشتم رائحة الدم.