أحمد الهلالي

مصلح يتتبع المستهترين!

الثلاثاء - 14 سبتمبر 2021

Tue - 14 Sep 2021

في صالة السينما نشاهد الفيلم السعودي (حد الطار)، وفي عز انهماكنا تشعل الأضواء ويتوقف الفيلم ويدخل شرطيان يلبسان الكمامات والقفازات ويبديان أسفهما، ثم يظهر وراءهما الشاب السبعيني (مصلح) عينه اليسرى مغطاة بقطعة شاش طبي، ويشير بيده إلى رجل يجلس في وسط القاعة، فيتقدم أحد الشرطيين إلى الرجل ويطلب منه تطبيق (توكلنا)، ثم بحذر يتراجع الشرطي إلى الوراء ويأمر الرجل بالخروج بهدوء، فينصاع ويخرج وهو يقول لمصلح: سويتها يا نذل!

لا نعلم ما الأمر، لكن فضولي أخرجني وراءهم فناديت مصلح وسألته، فأجاب بلغة عجولة وهو يتلفت «هذا من جيراني مصاب بكورونا ولم يلتزم بالحظر، حين علمت بإصابته اتصلت به وحذرته من الخروج حتى يتعافى، لكن كما ترى خرج بلا مبالاة، قابلته في البقالة ورجوته أن يعود لكنه ـ أيضا ـ لم يفعل، فتبعته إلى (المول)، ورأيته يتبضع من محلات مختلفة ولا يشتري، ثم جلس معكم في السينما.

وضع مصلح النظارة السوداء بحركة تحاكي عملاء FBI وأكمل: واجبي يحتم علي حماية المجتمع والتبليغ عن المستهترين.

قلت: حسبته ضربك حين رأيت قطعة الشاش، فلد إلي بنظرته الصقرية، وقلد كلامي مستهزئا، ثم قال: لو لمرة واحدة تحدث كما يجب، لم تعلق على موضوع هذا الرجل المستهتر بصحتنا، وكل فضولك منشغل بقطعة الشاش؟ قلت: هذا واجب الجهات المختصة، قال: يا خسارة، هذا وأنت كاتب في صحيفة مكة ولا تشعر بواجباتك تجاه مجتمعك، ليت رقم موفق النويصر عندي بس!

انصرف، ومشى قليلا على الرصيف، فقلت: ارجع يا ملقوف! فكأنما صعقته الكهرباء، التف إلي على كعب قدمه اليسرى كما يفعل العسكريون، وأقبل منتفضا «وش قلت؟» فأصابني الرعب من ملامحه، وقلت بصوت متقطع: هذا ليس عملك، هذا واجب المختصين، فنظر بعينين حادتين مقطبا جبينه وهو يعض على لسانه، ويده مقبوضة، وقال: يا زينك ساكت، الجهات المختصة أمرت المصاب بالبقاء في بيته وحجر نفسه حتى يتعافى، وفرضت غرامات على المخالفين، وهي تفترض فينا الوعي ولا تستطيع أن تراقب كل مريض أو تحتجزه في المستشفى، هل فهمت الآن؟

قلت: ما تزال لم تخبرني عن قطعة الشاش، فانفعل وأمسك ما تبقى من شعر رأسه وهو يهتز أمامي كالممسوس «إنت بتجلطني!» أشغلتك قطعة الشاش عن الشعور بهمي ومجاراتي في الحديث، قطعة الشاش هذه بسبب مصاب آخر بكورونا، فأنا خلال هذا الشهر بلغت عن 6 (مكورنين) وهذا السابع، كان أعنفهم زميلي سابقا، علمت بإصابته، فتفاجأت به يصلي معنا في المسجد ثم قام يسلم على بعض جماعة المسجد، فاعترضته وقلت: اتق الله يا رجل، أنت مصاب ولم تحجر نفسك، كيف تصلي معنا؟ وفوق ذلك تسلم على هؤلاء المساكين؟ فانفض الناس، وأنا أقول: اذهب إلى بيتك، فهاجمني كالثور الإسباني وأوقعني على الأرض، وحين هممت بالقيام فاجأني بلكمة على عيني كما ترى، طلبت الشرطة وقبضوا عليه وهو الآن محتجز في المستشفى وبعد تعافيه سأقاضيه، قلت: والآخرون كيف قبضت عليهم، قال بانفعال: لا، أنت راعي طويلة، دعني أذهب، أنا أقوم بواجبي فحسب، ولن أرتاح حتى يسجن ويدفع الغرامة كل المستهترين بصحتنا، أما أنت، يا ليت النيابة العامة تقرر عقوبة للفضول، أقسم أني سأبلغ عنك الآن!

ahmad_helali@