دلال العريفي

أحاديث إدارية.. عن روح النظام

الاثنين - 13 سبتمبر 2021

Mon - 13 Sep 2021

كنت قد عاهدت نفسي منذ ألف عام أني لن أقدم رأيا أو مشورة لأي أحد كان دون أن يطلب مني ذلك، وكنت أدرك تماما أن الأيام خير معلم، والمواقف أفضل مربٍ، وأن الزمان -لا نحن- كفيل بذلك كله.

لكن -وبصراحة غير مطلقة- يقود الإنسان أحيانا شعوره بالمسؤولية تجاه عمله، وطموحه بخدمة الآخرين، والحاجة الملحة للناس، بأن عليه أن يقلل على الأقل من تأثير الجهل والحماقات والجمود في بعض الإجراءات والقرارات والممارسات الإدارية.

هناك ما يدفع الإنسان لإيقاف أمر، أو لتحريك أمور جمدت ساعة تخاذل وتهرب وتخوف من مسؤول. إذ كثيرا ما نواجه بعضهم وبمناصب كبيرة، وبمؤهلات عالية جدا، لكنهم في لحظة، يتأخرون كثيرا في تقديم ما يستلزم أن يقدم، بل ربما لا يقومون بأي شيء، غير محاولة التشبث بكلمة «النظام»، وكأن هذا النظام جاء لعقاب الناس، والتشديد عليهم، لا لخدمتهم! لتعقيدهم، والتضييق عليهم، لا لتيسير شؤونهم!

لست بالطبع ضد النظام ولا تطبيقه، فبالنظام تسير الإدارات، وتستقيم الأعمال، وتنضبط أمور الحياة، ويعرف المرء ما له وما يستوجب منه. فالنظام مجموعة من القوانين التي صنعها الإنسان، لخدمة الإنسان وحمايته، لتنظيم أعماله، لترتيب أوراق مجالات الحياة، وحفظ المصالح والحقوق. ولا يمكن أن ينجح فرد، ولا أن تتميز مؤسسة دون وجود نظام دقيق يحدد سياقات المسير، وطرق الوصول نحو الأهداف، لكن التعامل مع النظام بعقلية جامدة، تفتقر للمرونة والتعامل الذكي معه، هو أمر أسوأ بكثير من مخالفة كل الأنظمة واللوائح! فقد يظلم الفرد، وتضيع حقوقه باسم النظام المظلوم! وقد تتعطل أعمال ومؤسسات وبشر بسبب ذات النظام. إذن فالمشكلة ليست في نظام بعينه، بل فيمن يؤمن ببعضه ويكفر ببعضه، فيمن لا يفهم «روح النظام»، ولا الحكمة منه، ولا كيفية تطبيقه، فيمن يتصدى لتفسيره وهو لا يفقه ما بين صفحاته وسطوره.

حين يبقى المدير أو المسؤول عالقا في حرفية النظام، متقيدا بكلمة منه، ومعطلا لباقيه، فعليه أن يدرك أنه بهذا الفهم، يخالف كل نظام، وأن مسؤوليته تجاه النظام ابتدأت ساعة أسند الأمر كله إليه، ولن تنتهي إلا بعد أن يكلف غيره، ويستقر هو في بيته.

النظام الأكيد الذي أثق به أن هذا الوطن ومؤسساته وقادته ينصون عليه كل حين، هو أنك إن كنت بمكان واستطعت أن تخدم أحدا، أو تفرج هما، أو تقضي حاجة ما، فلا تتأخر لحظة واحدة طالما ليس فيها ما يتعارض وروح النظام.

فالنظام الحقيقي هو الذي يتوشح رداء الإنسانية ولا يتجرد منها حتى في الميادين المهنية وبيئات الأعمال والإدارة.

في مقابلة مع الأمير خالد الفيصل، ذكر أنه وضع نسخة من نظام المناطق أمام أعضاء المجلس، ثم سألهم في بداية اجتماعه بهم: «من منكم قرأ النظام»؟، الغريب أن أحدا لم يرفع يده، كان هناك على ما يبدو نظام لم يقرأ، لكنه كان في ذات الوقت كان يطبق!

هل يمكن أن نتولى أي إدارة دون أن نعرف أنظمتها؟ هل نهتم فعلا بقراءة النظام؟ هل نعي روحه، وفحواه، والحكمة منه؟ هل نتعامل معه بفكر مرن، وعقل منفتح؟ إذا لم تكن إجاباتنا لهذه الأسئلة بنعم، فتلك جرائم ترتكب بحق النظام، وبحق كثير من الناس.

@darifi_