عبدالرحمن الزهراني

جامعة الملك عبدالعزيز و(٣٣) جمعية علمية!

السبت - 11 سبتمبر 2021

Sat - 11 Sep 2021

عادة تكون المنجزات على قدر الإمكانيات المادية والبشرية، التي تخضع لعدة عوامل أهمها الهياكل التنظيمية ونوع وطبيعة المجال الذي تمارسه المنشأة إضافة إلى عدد وإمكانيات وقدرات العاملين، ولو نظرنا للإمكانيات المادية والبشرية في الجمعيات العلمية السعودية لوجدناها تفوق التصورات، ومن المفترض أن تكون المنجزات تتمشى مع حجم الإمكانيات، ولكن إذا ما وجدنا منجزات لا تستحق أن تذكر فإننا نجزم بأنه لا يوجد غيرها، فمثلا إعداد مطوية تعريفية عن جماعات الأنشطة الطلابية في مدارس التعليم العام، قد نعتبرها من المنجزات لمدير المدرسة والمشرف على جماعة النشاط والطلاب الذين يشكلون هذه الجماعة، نظرا للإمكانيات المادية والبشرية التي تمتلكها المدارس، أما أن يعتبر إعداد مطوية تعريفية بإحدى الجمعيات العلمية من المنجزات التي يشرف عليها خبراء برتبة بروفيسور فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا.

مواصلة لسلسلة المقالات الجمعيات العلمية السعودية.. الحاضر الغائب في حلقتها الثالثة اليوم نتطرق لجامعة عزيزة على قلوبنا جميعا، حيث نفخر بجامعة الملك عبدالعزيز ومنجزاتها، التي أهلتها للدخول ضمن أفضل (150) جامعة عالميا والأولى عربيا في تصنيف QS لعام 2021م، ويبدو أن تدني مستوى البيروقراطية التي تنتهجها إدارة الجامعة أسهمت في تحقيق هذا المنجز مقارنة ببعض الجامعات التي تغرق في البيروقراطية القاتلة، ولكن أوضاع بعض الجمعيات العلمية بجامعة المؤسس لا تختلف كثيرا عن الجمعيات العلمية في جامعة أم القرى التي تطرقنا لها الأسبوع الماضي، وجميعها تسير في اتجاه واحد نحو الطريق المنحدرة حسب تعبير (قوقل ماب).

يعمل تحت مظلة جامعة الملك عبدالعزيز (33) جمعية علمية، (24) جمعية لها مواقع الكترونية نسبة كبيرة منها مهملة مدونة عليها بيانات ناقصة (صورية)! لا يمكن أبدا أن يكون المتلقي من خلالها صورة ذهنية عن هذه الجمعيات، البعض منها لم يحدث بياناته منذ أكثر من عقد من الزمان، فيما لا تزال (3) جمعيات بدون بيانات تذكر سوى حجز مساحة على (سيفر) الجامعة إضافة إلى حجز اسم الجمعية، أما (6) جمعيات فلا ذكر ولا أثر لها على موقع الجامعة أو في وسائل التواصل الاجتماعي، وتعيد إلى أذهاننا حادثة الطائرة الماليزية التي سقطت في جنوب المحيط الهندي عام 2014 وبعد ست سنوات تم العثور على أجزاء من حطامها في عام 2020، يبدو أننا أول من فقد هذه الجمعيات!، نعود إلى غرائب وعجائب المواقع الالكترونية للجمعيات العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز، التي من أهمها وجود اسم الأستاذ الدكتور عبدالرحمن اليوبي رئيس الجامعة عضوا في مجلس إدارة الجمعية (....) بمسمى وكيل الجامعة للشؤون الأكاديمية، رغم أنه تم تعيينه في بداية عام 1437هـ أي قبل ست سنوات تقريبا، أحد مواقع الجمعيات تقدم التهنئة لمنسوبيها بحلول عيد الحج قبل تسع سنوات في الصفحة الرئيسة للموقع، وجمعية أخرى آخر أخبارها وأنشطتها ما زالت تتصدر الصفحة الأولى للموقع منذ بداية ٢٠٠٨م، بمعنى أنها منذ (١٤سنة) لم تنشر خبرا واحدا على موقع الجمعية، بعض الجمعيات تجاهلت وهجرت موقعها الالكتروني، واكتفت بحساب تويتر والمفترض أن يكون هذا الحساب رافدا للموقع الالكتروني للجمعية والموثق رسميا، حيث يتم من خلاله عرض الأهداف والبرامج والفعاليات والعضويات وبيانات التواصل.

من خلال تصفح الموقع الالكتروني للجمعيات العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز يتضح لنا أن نسبة قليلة من الجمعيات لها أنشطة وتواجد علمي وأكاديمي وفي المقابل الكثير من الجمعيات مجرد مسميات لجمعيات فقط! لا تقدم أي خدمات، أو برامج، أو فعاليات، أو خدمات استشارية على الإطلاق، أتمنى أن أكون مخطئا، ولكن للأسف هذا الواقع، والدليل على ذلك أن بيانات التواصل لأغلب الجمعيات، لا تتضمن (إيميلات) مخصصة للجمعيات، وهذا يشير إلى أن بعض مواقع الجمعيات العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز أنشأت قبل أن تتداول فكرة (الإيميل) قبل عشرات السنوات، بعض الجمعيات التي لفتت انتباهي وجعلتني أتوقف عندها قليلا، أوضحت بأن رسوم العضوية ترسل بشيك على بريد الجمعية (البريد التقليدي)، وهذا يعكس أن هذه البيانات وضعت قبل نظام التحويل السريع، الملفت للنظر أن (الفاكس) بات من الماضي وجميع الجمعيات خصصت أرقام للفاكسات الأمر الذي دعا فضولي للاتصال على أرقام بعض (الفاكسات) لعلنا نسمع صوت (الفاكس) ليذكرنا بالماضي الجميل، ولكن للأسف كنت أظن، وخاب ظني، ولم أسمع صوت (الفاكس)! بل لم أجد ردا على الجانب الآخر وأخشى أن تكون شركة الاتصالات قامت بتغيير الأرقام وحولتها لمواطنين دون علم رؤساء مجلس إدارة الجمعيات العلمية.

رغم الإحباط الذي ساورني أثناء تصفح مواقع الجمعيات العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز إلا أنني (كما يقال)! تنفست الصعداء عند تصفحي لموقع الجمعية التعاونية لمنسوبي الجامعة وسر نجاح هذه الجمعية أنها جمعية غير علمية، فهي جمعية تعاونية مسجلة في وزارة تنمية الموارد البشرية ومرتبطة بمكتب رئيس الجامعة لها أنشطة وبرامج وحققت منجزات يشكر القائمون عليها، مثل إنشاء نادي أبناء منسوبي الجامعة، قاعة المناسبات، مبنى سوبرماركت، إضافة إلى النادي الصحي، وبيانات هذه الجمعية محدثة على الموقع الالكتروني للجمعية مقارنة ببقية الجمعيات العلمية الأخرى، ولو الأمر بيدي لقمت بحرمان رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الجمعيات العلمية الغائبة عن المشهد العلمي من الاستفادة من الخدمات والمرافق التي أقامتها الجمعية التعاونية لمنسوبي الجامعة، حقيقة أوضاع بعض الجمعيات العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز تشير إلى أن هناك (فيروس) فائق التفشي في بيئات الجمعيات العلمية يتطلب حجر بعض القائمين عليها.

أما المجلات العلمية فيصدر عن جامعة الملك عبدالعزيز (12) مجلة علمية بعضها لأقسام وكليات في الجامعة، والبعض اليسير لجمعيات علمية، ولكن للأسف لم تدرج بعض هذه المجلات في مواقع الجمعيات ولا يوجد أثر للأعداد الصادرة، أو شروط وضوابط للنشر، لا يمكن لأحد أن يتنبأ عن آلية إصدار مجلات الجمعيات العلمية فضلا عن انتظامها واستمرارية صدورها!

الغريب في أمر الجمعيات العلمية أن جامعة جدة الحديثة التي تقودها عقول شابة، والتي لا تبعد عن جامعة الملك عبدالعزيز سوى بضعة كيلومترات لا تمتلك أي جمعية علمية مع أنها في نفس المدينة، وهذا يذكرنا بالمثل القائل «طارت الطيور بأرزاقها»، فلم تجد بدا من الاتجاه إلى مراكز الأبحاث بديلا عن الجمعيات العلمية، الأمر الذي يتطلب من مجلس شؤون الجامعات بوزارة التعليم الالتفات لهذه الجزئية المهمة والمنصفة في توزيع معدلات التنمية بين الجامعات.

بعد استعراضنا جزءا بسيطا من أوضاع الجمعيات العلمية بجامعة الملك عبدالعزيز فإننا نضع ملفها على طاولة رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور عبدالرحمن اليوبي كما وضعنا ملف الجمعيات العلمية بجامعة أم القرى على طاولة رئيسها، ونؤكد على نفس المطالب التي يقرها مبدأ العقل والمنطق قبل النظام، والمتمثلة في (مسلمات) أهمها تفعيل دور هذه الجمعيات وتحديث بياناتها من خلال مواقعها الالكترونية وفتح وسائل التواصل مع المهتمين والمختصين لكل جمعية في مجالها، ووضع نماذج للعضوية وعرض الأنشطة والفعاليات والقوائم والميزانيات، وتصنيف هذه الجمعيات (33) إلى فئات حسب المنجزات وفق معايير تقييم تتضمن الأنشطة والفعاليات والبرامج التدريبية والمؤتمرات والندوات واللقاءات وعدد الأعضاء وعدد الإصدارات العلمية وهذا التقييم سنوي، وعلى ضوئه توزع المخصصات المالية، إضافة إلى ضرورة حل مجالس الجمعيات غير الفاعلة التي لا يرجى برؤها، والاستفادة من مبانيها ومقراتها وأثاثها المكتبي خصوصا (الفاكسات)!، وتسهيل نقلها للجامعات الناشئة، وفقا للبند السادس من المادة الخامسة عشرة للقواعد المنظمة للجمعيات العلمية السعودية، لعلها تجد من ينهض بها. بناء على ما سبق يمكننا القول، إن هناك غيابا شبه تام للعمل المؤسسي في إدارة الجمعيات العلمية بجامعة المؤسس.

الأحد القادم، إن شاء الله تعالى، من خلال هذه المساحة نستعرض الجمعيات العلمية اليتيمة والجمعيات التي ماتت يوم ولادتها.

نقطة ضوء: الأحبة أخذوا المكان والزمان وهاجروا!

@DrAlzahrani11