أحمد بني قيس

هل لقاح كورونا مؤامرة؟

الخميس - 09 سبتمبر 2021

Thu - 09 Sep 2021

ظهرت طبيبة تحمل جنسية إحدى الدول الخليجية في لقاء تلفزيوني أثناء تنظيمها لاحتجاج يطالب بمنح المواطنين في تلك الدولة حق رفض أخذ لقاح كورونا اقتداء بما تعمل به بعض الدول الغربية، ويعود سبب هذه المطالبة لاكتشاف مزعوم تستشهد به تلك الطبيبة ينبه لمخاطر جمة في حال تم أخذ اللقاح.

وشددت الطبيبة على أهمية أخذ الحيطة والحذر من لقاح كورونا رغم أنها لم تُظهر في ذلك اللقاء أي تفاصيل أو أبحاث موثوقة تؤكد مصداقية ذلك الاكتشاف، وهنا تكمن طامتنا الكبرى التي تتمحور في نشرنا أو تبنينا لمفاهيم وسلوكيات لا دليل عليها لنفاجأ بعد فترة وجيزة بأنها كانت مجرد إشاعات وأقاويل اعتمدها ناقلها وتبناها دون أن يوظف مبدأ الحجة والدليل قبل تبنيها.

لقد أصبح من الواضح في هذا الزمن أن أكبر تهديد نتعرض له وقد يقضي على طمأنينتنا وسلمنا الاجتماعي هو مثل هذا الفكر الذي وللأسف نجده يصدر حتى من أناس كنا نتعشم فيهم نشر الوعي وتعزيز عدم الاقتناع بأي أمر إلى أن يتم التأكد والتثبت منه إلا أن الواقع يقول بوجود فئة منهم للأسف تتألى على البشر وتتناقل الخبر دون أن تتثبت من صحته كحال هذه الطبيبة المذكورة.

وفي هذا الإطار فإن من حق غير المتعلمين علينا عدم لومهم عند اقتناعهم بمزاعم وشائعات كالتي تحملها وتروج لها هذه الطبيبة، ولكن لا يحق لنا بأي حال من الأحوال عدم لوم فئة المتعلمين، وأخص بالذكر المنتمين منهم للحقل الطبي الذين يتبنون ويروجون تكهنات يشوبها الكثير من الثغرات والشوائب، ثغرات وشوائب نجد عند التدقيق فيها أنها تصب فقط في مصلحة الدعاية والترويج لوهم نظرية المؤامرة، والذي هو من الطوام التي حلت بنا في هذا العصر، وذلك لثبوت أن غالبية ركائز هذا الوهم عبارة عن كلام فضفاض خال من الأدلة والبراهين وحتى لو توفرت فيه الأدلة والبراهين فإننا نكتشف أنها قد أخرجت من سياقها ومضمونها وأسيء فهمها وتأويلها.

وعودة إلى موضوع كورونا وكيف انتشر وهل هو نتيجة مؤامرة قادمة من الدول الغربية كما يشاع؟ أم إن الواقع يقول بخلاف ذلك؟ ثم أسأل أيضا هل هذا اللقاح مطلوب فقط في البلدان العربية والمسلمة، أم إن العالم بأسره يطلبه بقناعة راسخة وبرغبة صادقة لا تشوبها شائبة؟

وقد يأتيك أحدهم ليقول لك بأن محتوى اللقاح يختلف باختلاف هوية من يطلبه، وأرد على هذا الزعم قائلا هل يعقل أن العالم بقضه وقضيضه حكومات وشركات وأفرادا جميعها تتضافر جهودها لاستهدافنا نحن فقط، ولو افترضنا جدلا بأن هنالك بالفعل مؤامرة تستهدفنا من قبل الدول الغربية بما أنها هي من تشرف على هذه النظرية وهي من تنسج خيوطها كما يصر عليه الكثير من المؤمنين بنظرية المؤامرة فإن من سوء طالع هؤلاء المؤمنين أن ما أرادوا استخدامه ليخدم رأيهم انقلب عند التثبت ضدهم، حيث إن فيروس كورونا قدم إلينا وإلى العالم بأكمله من الصين، وليس من الدول الغربية، دول نظرية المؤامرة كما يقال، إلا إذا زعم هؤلاء المؤمنون بوجود مؤامرة بأن الصين انضمت بالفعل لأطراف هذه النظرية وتحالفت معهم وأصبحت عنصرا فاعلا في تنفيذ الخطط والحملات المنظمة ضدنا، ولكن هذا الزعم يحتاج إلى دليل دامغ حتى يمكن تقبله والاقتناع به.

أخيرا إن ما نحتاج لفعله من وجهة نظري هو أولا التجرد من أية أحكام مسبقة حول أي قضية يستجد علينا تداولها عند محاولة التثبت منها، وثانيا النظر إلى هذه المستجدات بواقعية وعقلانية ودراسة مدى علاقتها بما يحدث في هذا العالم، فنحن المسلمين مأمورون أكثر من غيرنا بضرورة التفكر والتدبر في جميع أحوالنا في دلالة واضحة على مدى اهتمام الدين بهذين الأمرين، وهذا يستدعي الاستجابة لهذا المنهج وتطبيقه، فنحن موعودون متى ما فعلنا ذلك بالعيش في سلام وعافية وطمأنينة، وموعودون أيضا بالعيش في بلبلة وخوف وتشويش كبير إذا تجاهلنا هذا التوجيه الرباني وأهملناه.. وأختم سائلا نفسي والجميع: أيهما يا ترى نريد له أن يكون؟

ahmed_baniqais@