مرزوق بن تنباك

بنود الدخل المحدود

الثلاثاء - 31 أغسطس 2021

Tue - 31 Aug 2021

«الاقتصاد، الاستهلاك، الإسراف»، هذه المصطلحات تهم طلاب الاقتصاد ودارسيه، وهم المعنيون بها أكثر مني، وأنا لست من المتخصصين في الاقتصاد الفردي ولا الاقتصاد الرسمي الذي تعده الدولة وتعرف مصادره ومخارجه وتعين رجاله الذين يعرفون ما تعنيه مصطلحاتهم، أما ما أعنيه وأعرفه ويعنيه الأفراد البسطاء مثلي فهو حالنا نحن عامة الناس الذين نعتمد على المقسوم في كل نهاية شهر حين يصل الراتب أو ما تجود به أعمالنا التي نباشرها كل صباح نغدو لها كالطير صباحا ونروح مساء وفي الجيب ما كتب الله لنا في سحابة ذلك اليوم بعد جهد وعناء.

ولأن الأثرياء وأهل السعة في الرزق يسموننا أهل الدخل المحدود تمييزا لنا عنهم وتحديدا لمستوانا الاقتصادي بالنسبة لهم، فنحمد الله أننا أهل دخل محدود نعرف مصادره وموارده ومن أين جئنا به حلالا زلالا، لا تراودنا الشكوك في تحصيله ولا نخاف حساب الدنيا ولا نخشى هيئة مكافحة الفساد ولا حتى حساب الآخرة كما نقرأ في الأثر، ومن فضائل الدخل المحدود أننا نعرف مصارفه قبل أن يصل إلى أيدينا فبنوده عندنا محددة سلفا ومعروفة بعضها بالاتفاق وبعضها بالجبر والإكراه وحكم الضرورة ومن أهم ما ندفعه بند إيجار المنزل ومتطلباته ومصاريف الكهرباء التي نلجأ إليها حتى لا نحترق في درجة صيف طويل، والماء الذي كان شبه مجاني ثم أصبحنا بقدرة قادر نحسب لفاتورته كل حساب ذلك أن فاتورة الماء لا يمكن ضبط تكاليفها ولا يمكن وضعها في ميزانية البنود الثابتة فهي كالحرباء متقلبة المزاج مرة تعلو ومرة دون ذلك، ونحن ندفع لأن شكوانا لا تسمع، رغم الحديث الذي نعرفه ونرويه ونثبت صحته (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار) وما يصاحب من غرامات قد نكون نحن سببا مستترا فيها وقد لا نكون.

ولكن نحن أهل الدخل المحدود يجب ألا نعفي أنفسنا من المسؤولية ونلقي بالتبعات والشكوى من الغلاء وارتفاع الأسعار وقلة الدخل الذي لا يكاد يفي بمطالبنا على السوق وارتفاع الأسعار؛ لأن ذلك كله لا ينفع، إذن ما الذي ينفع ماذا علينا أن نفعل؟ دعونا نفكر كيف يفعل العقلاء من الناس، وكيف ننتصر على أهل الثراء والإغراء ونحرمهم من أن يزيد مالهم على حسابنا، نستطيع إذا وضع كل منا ميزانية كميزانية الدولة لها بنود محددة ومصروفات معلومة ونأخذ بقول الحكيم الذي نصحنا به قبل ألف عام: (وتدبير القليل يزيد فيه / ولا يغني الكثير مع الفساد) الفساد ليس الكلمة التي نسمعها تردد في الأخبار هذه الأيام وليست مطاردة الفاسدين كما تفعل هيئة مكافحة الفساد -بارك الله جهودها- ولا تعني أخذ المال العام والاختلاس بحكم الوظيفة واستغلال القدرة الإدارية التي هي المصطلح الحديث للفساد.

الفساد المعني بالشاهد بين القوسين من الإنسان نفسه بتدبير ماله وليس الأخذ من أموال الغير، ولهذا دعونا نفكر كيف نتجنب الفساد في أموالنا مهما قلت ونفكر في الكلمات الثلاث الأولى في السطر الأول من المقال: «الاقتصاد، الاستهلاك، الإسراف».

زيادة الاستهلاك في غير ما ضرورة فساد للمال وتضييع له، وقد أصبحت ممارسة اجتماعية شائعة عند القادرين وغير القادرين وعند أهل الدخل المحدود والمكثرين، والاستهلاك الزائد عن الحاجة يعد إنفاقا للمال في غير منفعة، وهذا ضرب من التبذير حتى لو أنفق الإنسان من حر ماله ومثل زيادة الاستهلاك الإسراف وهو مذموم ومنهي عنه ومنصوص على منع الإسراف بآيات القرآن (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا). والإسراف هو إنفاق المال فيما زاد عن الحاجة، وما يمارسه الناس في مجتمعنا هو من هذا النوع المنهي عنه كما أن التقليد ومجاراة القادرين والحرص على اقتناء الكماليات غير الضرورية هو الإسراف بعينه.

الشكوى من ارتفاع أسعار السلع وتضخم قيمة الريال لها حل، هو ترك ما لا تدعو الضرورة إليه والتخلي عن الكماليات والبحث عن البدائل الأقل سعرا، والابتعاد عن مجاراة الأغنياء وتقليدهم.

Mtenback@