مرزوق بن تنباك

الريف والمدينة

الثلاثاء - 03 أغسطس 2021

Tue - 03 Aug 2021

علاقة الريف بالمدينة أبدية، وهي علاقة تكامل وتعاون وتلازم لا يستغني أحدهما عن الآخر إلا بقدر ما يحتاج إليه، كانت المدينة نقطة ارتكاز وتجمع وتقارب بشري تجمع أهلها في دائرة من التلاحم والتقارب والتشابه في النشاط الذي تمارسه وتختص به، ويكون الريف الحزام الأوسع حولها يمتد ويتسع ولا يضيق في أهله وسكانه مهما كثر العدد وتنوعت الأعمال التي يقوم بها سكان الأرياف وروادها، وكأي علاقة بين متباينين ومختلفين في النشاط والسكان يتنازعان الأهمية في حياة الناس والمجتمع في كلا طرفيه المدينة والريف ولا يستغني أحدهما عن أخيه وقد بين هذه العلاقة الأثر المنسوب للنبي في حق صاحبه زاهر، قال: (زاهر باديتنا ونحن حاضرته) كان زاهر يأتي إلى المدينة يحمل ما تنتجه البادية، فيهدي للنبي ويبتاع، وإذا خرج جهزه النبي بما يحتاجه أهل البادية مما في المدينة، وكان ذلك دأب الريف والمدينة كل منهما يقوم بدور يحتاجه الطرف الآخر.

وكما هي طبيعة الأشياء وصراع الحياة يكون التنازع بينهما قائما فمرة تقوى المدينة على حساب الريف، ومرة يكون للريف الغلبة والظهور والحال بينهما سجال للريف مرة وللمدينة أخرى، حتى كانت الثورة الصناعية في العصور الحديثة؛ فأصبحت المدينة ارتكاز العمل والصناعة والبحث عن حياة أفضل فانجذب إليها أهل الريف بحثا عما توفره ليس العمل فحسب ولكن ما يتوفر من وسائل الترف واللهو والترفيه مما تجود به على سكانها.

ونحن في المملكة جزء من العالم وقد أصابنا ما أصابه من تحول وتغير، فمنذ 50 سنة واجهنا زحف الريف والبادية إلى المدينة التي لم تكتمل بنيتها التحتية في ذلك الحين، بل كانت مدننا أشبه بقرية كبيرة لكن الهجرة إلى الداخل زادت واتسعت وامتدت مدننا وتضخمت بسرعة غير معهودة في نشوئها واكتنازها، هذه الهجرة إلى المدن فرغت القرى الصغيرة والريف بشكل عام من سكانه وأضرت بالتوازن بينهما.

وقد لاحظ المهتمون بالشأن الاجتماعي والاقتصادي ما يحصل من انتقال سكان الريف إلى المدينة حتى إن هناك قرى كثيرة خلت من السكان وأقفلت مدارسها ومرافقها وقد غرد بعض كتاب الرأي عن هذا النزوح الجماعي وظهر على السطح خوفهم على مستقبل الريف وأهله، ومنهم الكاتب المبدع الدكتور علي الموسى الذي يشعر بالحزن الشديد وهو يشاهد مدرسة قريته تغلق للأبد بسبب قلة الطلاب، ومثله زميله في الرأي والكتابة الاقتصادي المعروف والأستاذ في معهد الإدارة الدكتور عبدالله بن ربيعان الذي يحزن أن من لم يهاجر من قريته للمدن الكبيرة يفكر بالهجرة، ويعلق بن ربيعان من نظرة اقتصادية ويقول: إن القرى والأرياف تقوم بأنشطة اقتصادية مهمة وتسهم بالتنوع الاقتصادي، ويرى دعم سكانها بالمشاريع المناسبة ليبقوا في قراهم ويسهموا بأنشطتهم في دعم التنمية المتوازنة لاقتصادنا.

وأنا في هذه الإجازة سافرت للمدينة المنورة من الرياض وعدلت عن الطريق السريع وسلكت الطرق الفرعية والزراعية ومررت بكثير من القرى الصغيرة والهجر ورأيت أكثرها قد خلت من سكانها لا سيما تلك النائية وهو أمر مؤسف ونتيجة هذه الهجرة تضخمت المدن المتوسطة وامتدت على مساحات كبيرة وأغلبها في صحارى ليس فيها ما يشجع على التوسع السكاني لا سيما في وسط المملكة، حيث تحملت بعض المدن الصغيرة هجرة داخلية أكبر من طاقة استيعابها وسببت ضغطا كبيرا على مرافقها، والنتيجة تكدس سكاني في المدن وتصحر في الريف.

أمام هذا التحول الكبير لابد من وضع استراتيجية طويلة المدى تحقق التوازن الضروري بين الريف والمدينة وبذل الحوافز التي تشجع أهل الريف على البقاء في ديارهم والعودة إلى قراهم وهجرهم وبذل المزيد من العناية بالمشاريع الصغيرة المنتجة التي تناسبهم ويستطيعون القيام بها ويوكل أمر إدارتها إليهم وتشجيع المتقاعدين وخاصة من السلك العسكري الذين يتقاعدون مبكرا بقروض مالية مناسبة إذا اختاروا العودة إلى قراهم واستثمروا فيها ما يقدم لهم من قروض مشروط استثمارها في الريف ليبقى الريف وتبقى المدينة كل منهما يقوم بوظيفته ويحصل التكامل المطلوب بينهما.

@Mtenback