وليد الزامل

تخطيط المدن وأمراض السمنة؟!

الاحد - 25 يوليو 2021

Sun - 25 Jul 2021

أشرت في مقال سابق إلى أن التكوين المادي للمدينة يؤثر على طبيعة حياة المجتمعات والصحة العامة للإنسان ومستويات الرضا والسعادة.

إن وتيرة الحياة في المدن يمكن أن تكون سببا في ارتفاع معدلات أمراض العصر، كالسكر والضغط والسمنة، حيث يقضي سكان المدينة جل أوقاتهم دون حركة أو نشاط بدني.

وتؤثر السمنة على الاقتصادات الوطنية من خلال تقليل الإنتاجية ومتوسط العمر وزيادة تكاليف الرعاية الصحية. لقد تضاعفت معدلات السمنة في جميع أنحاء العالم ثلاث مرات تقريبا منذ عام 1975، نتيجة للتحولات الحضرية السريعة، التي أثرت على أنماط حياة المجتمعات. وتشير منظمة الصحة العالمية WHO إلى أن 1.9 مليار يعانون من زيادة الوزن، ومن بين هؤلاء أكثر من 650 مليون شخص يعاني من السمنة المفرطة في 2016؛ وهو ما يعني أن 39% من سكان العالم يعانون من زيادة الوزن، و13% يعانون من السمنة.

وعلاوة على ذلك سجلت هذه الإحصاءات 39 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في 2020؛ وأكثر من 340 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين (5 و19 عاما) يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.

لقد ارتفع معدل انتشار زيادة الوزن والسمنة بين الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين (5 و19 عاما) بشكل كبير من 4% فقط في 1975 إلى ما يزيد قليلا على 18% في 2016، وهو ما يؤكد على قلة النشاط البدني للأطفال والمراهقين وتحول نمط الترفيه نحو الألعاب الالكترونية أو الكهربائية، التي لا

يبذل فيها الطفل أو المراهق أي نشاط حركي.

في السعودية تبلغ نسبة السكان المصابين بالسمنة 35.4%، وهي بذلك تحتل المرتبة الثانية عربيا بعد الكويت التي تعد رابع دولة في العالم من حيث متوسط مؤشر كتلة الجسم وبنسبة 37.9% من السكان. وتنتشر السمنة في معظم الدول العربية بمعدلات تفوق 26% باستثناء اليمن والسودان؛ وفي المقابل تنخفض هذه النسبة في بعض دول أوروبا وآسيا لتصل إلى أقل من 20%، وتشمل دولا مثل إيطاليا وسويسرا وماليزيا وتايلاند. كما تصل نسبة السمنة إلى معدلات دون 5% في اليابان والهند وفيتنام.

إن السبب الرئيس للسمنة وزيادة الوزن كما تشير منظمة الصحة العالمية WHO، هو اختلال توازن الطاقة بين السعرات الحرارية المستهلكة والسعرات الحرارية التي يتم إنفاقها نتيجة عاملين هما: العادات الغذائية التي تتمثل بزيادة تناول الأطعمة الغنية بالطاقة؛ وزيادة الخمول البدني بسبب الطبيعة المستقرة لعدد من أشكال العمل وأنماط النقل وزيادة التحضر. وتؤكد منظمة الصحة العالمية بما نصه «أن التحول في أنماط النشاط الغذائي والبدني يأتي نتيجة للتغيرات البيئية والمجتمعية المرتبطة بالتنمية وانعدام السياسات الداعمة في قطاعات، مثل الصحة والزراعة والنقل والتخطيط الحضري»، لذلك توصي منظمة الصحة العالمية بالانخراط في نشاط بدني منتظم، 60 دقيقة في اليوم للأطفال و150 دقيقة في الأسبوع على الأقل للبالغين، وهذا يقودنا بالقول إن الأنماط المادية للمدينة أسهمت في تشكيل أنماط حياتية غير صحية للمجتمعات، وسرعت بذلك من زيادة معدلات السمنة.

إن الاستثمار في البحث العلمي يمكن أن يقلل على المدى الطويل من معدلات الأمراض التي يعاني منها المجتمع. ويأتي التخطيط العمراني للمدن كأحد الوسائل المهمة التي أكدت عليها منظمة الصحة العالمية في تحسين الأنماط الحياتية وترشيد الإنفاق في علاج أمراض السمنة. وأخيرا إن التخطيط العمراني يمكن أن يعالج إشكالية الخمول المكاني في البيئة الحضرية، من خلال الارتقاء بالأحياء السكنية القائمة، لتفي بمتطلبات «أنسنة الأحياء السكنية» وزيادة الغطاء النباتي والتشجير وإنتاج فراغات حضرية وساحات عامة وملاعب تحفز الأطفال والمراهقين على ممارسة اللعب والنشاط البدني في الهواء الطلق بعيدا عن الألعاب المنزلية.

@waleed_zm