بندر الزهراني

ثقافة المدح ومتلازمة شكر المنح

الاحد - 25 يوليو 2021

Sun - 25 Jul 2021

لا أستطيع أن أتقبل أو بالأحرى أستسيغ مدح مسؤول أكاديمي وهو لا يزال على رأس عمله الإداري، فضلا عن تخصيصه بمقال أو تغريدة، مهما كانت الدوافع لمدحه، ومهما فعل من إنجازات أو قيل إنه أنجز، لأسباب كثيرة؛ أولها أن هذا المسؤول يقوم بعمل يتقاضى عليه أجرا إن أتقن عمله وأجاده، وإذا أخطأ عوقب على خطئه وتقصيره، بمعنى أنه لا فضل له فيما يقدمه، ولو أزيح عن مكانه لحل فيه غيره، وربما كان أحسن منه أداء وكفاءة؛ والسبب الثاني أن دواعي المدح والثناء أتت بسبب المكان لا بسبب شخص المسؤول شاغل المكان، فلو لم يكن في موقعه الإداري هذا لما ذكره أو أثنى عليه أحد؛ أما السبب الأخطر والأكثر ضررا وأثرا فهو يتمثل في مسألة أن أغلب أغراض المدائح والثناءات تتقاطع فيها المصالح الشخصية والمنافع الخاصة ولو بعد حين.

وعادة لا يقع في هذه المزالق أو المطبات الأكاديمية إلا واحد من اثنين؛ إما مستغفل لا يدري عن شيء، وهو كل على جامعته، أينما ذهب لا يأت بخير، وإما مستنفع لئيم بطبعه، ولو تظاهر بالصلاح وتدثر في ثياب الطهر والعفاف، وعلى الرغم من هذا، نجد في الضفة المقابلة أن الأكاديمي الناجح في عمله الإداري ليس بحاجة للمدح والثناء، ولا يبحث عنه أو ينتظره، ولو جاءه تبرأ منه وأعرض عنه، وهذا النوع من الأكاديميين على وجه الخصوص هو الذي نفتقده في البيئات الأكاديمية ودائما ما نكون بحاجة إليه.

وكذلك لا أستسيغ الأكاديمي الذي حينما يبدأ عمله الإداري يبدؤه بالشكر لفلان أو لعلان من رؤسائه أن منحوه الثقة وكلفوه بالعمل! ووجه الاعتراض هنا ليس على الشكر ذاته، لا.

طبعا، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ولكن الاعتراض على مسألة الشكر على منح الثقة، فمن يتوسل الفرصة باحثا عن الثقة أو متلمسا إياها في نفسه ليس جديرا أن يعطاها، فالثقة صفة كصفة الرجولة عند الرجال، والأنوثة عند النساء، من لا يكتشفها من الجنسين في نفسه هو بنفسه أو يشعر بها يخشى عليه إداريا من التحرش والاغتصاب!

يضاف إلى ذلك أن ثقافة الشكر المنتشرة هذه الأيام ممزوجة بالاستعطاف والاسترحام من جهة، ومن الجهة الأخرى تكشف وجها قميئا ومكرورا للإدارة المعنية بالحمد والشكر، وهذا ما هو إلا ملمح من ملامح تكاثر واستنساخ الإدارات لنفسها، وبالتالي انتفاء صفة الإصلاح والتجديد، ثم إن الشكر على منح الثقة بالكيفية الحاصلة في بعض الجامعات والإدارات الأكاديمية إما أنه يعطي مؤشرا على خبث الشاكر ومكره ولؤمه وإما على ضعفه وتفاهته، وفي كلتا الحالتين يفترض أن تكون الإدارة الأكاديمية في منأى عن هذه النوعية من الإداريين.

المشكلة في ثقافة الشكر من هذا النوع إن تعدت الأكاديميين إلى الأكاديميات المرتبطات بأعمال إدارية، بمعنى أن توجد بين عميد الكلية ووكيلاته أو رئيس القسم والمشرفات أو بين مستشاري الوكلاء وعضوات هائمات في بحر المشاعر، حالمات بلذيذ المناصب، وحينئذ فما يقال عن فساد الإدارة عند الرجال يقال أضعافه وأضعافه عند صويحبات المكر والإيقاع!

لماذا مدائح المسؤولين من الأكاديميين وتكريماتهم المبالغ فيها لا نجدها إلا في جامعاتنا المحلية؟ ما الفائدة التي سيجنيها قراء صحيفة محلية حينما تخص رئيس جامعة أو عميدا أو وكيلا باستعراض مناصبه الإدارية التي منح الثقة لتوليها! ولماذا شكر منح الثقات هذا لا يتفشى إلا في بيئاتنا الأكاديمية؟ هذه الظواهر الغريبة في طبيعتها والمتناقضة مع اعتزاز الأستاذ الجامعي بثقته في نفسه وبما يحمله من علوم وثقافة تحتم على الباحثين المختصين دراسة آثارها السلبية بتعمق، على أمل أن تختفي من جامعاتنا ونعود للحالة الطبيعية.

ثقافة المدح ومتلازمة شكر منح الثقة المتفشية في جامعاتنا هي -بلا شك- ثقافة متخلفة، وليست لها علاقة لا بالعادات ولا بالمعتقدات، ولسوء الحظ أننا نتفرد بها عن كل جامعات العالم، ترى هل الإشكالية في عواطفنا وتعبيرنا عنها؟ هل هي عواطف متخلفة كما يقول الأستاذ إبراهيم البليهي! وإن كانت فعلا كذلك، فكيف ومتى نتخلص ونتحرر منها ومن بواعثها في أنفسنا؟

drbmaz@