تعقِدُ مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية شراكةٌ مع وكالةِ ناسا لتسريع عمليَّة تحديد أماكن الشِعاب المُرجانيَّة حول العالم

الأربعاء - 16 يونيو 2021

Wed - 16 Jun 2021

تتعرَّضُ الشِعابُ المُرجانيَّةُ لخطرٍ داهِم، وتُعدُّ الشعاب المُرجانيَّة من الأشكال الأولى للحياة التي وُجِدتَ على سطحِ الأرضِ، فهي تُوفِّرُ مأوى للعديدِ من الكائنات الحيَّة الدقيقة باعتبارِها نظامًا بيئيًّا من الشعابِ المُتكوِّنة بشكل صحي، وذلك لضمان سلامةِ، ونماءِ هذه الكائنات.

إلا أن الشِعابُ المُرجانيَّةُ يتم إفناؤها بمعدلاتٍ سريعة وخطيرة. حيث فقد العالم أكثر من نصف عدد الشِعاب المُرجانيَّةُ الموجودة في الأربعين عامًا الفائتةِ وحدها.

ويُواجِهُ النصفُ المُتبقي خطر الفناءِ الجسيم بنهايةِ هذا القرن، في حال خياب مساعي الحفاظ على الشِعاب المُرجانيَّة، وحمايتها من براثِنِ الفتك الإنسانيّ الشديد.

للحفاظِ على أي شيءٍ وحمايتهِ، يتعيَّنُ علينا في بادئِ الأمرِ معرفةِ مكانهِ، والتيقُّنِ من البقايا الحيَّة للكائنِ المُراد حفظهِ من الاندثار.

كان من الصعوبةِ بمكان، تعقُّب مواضِعِ الشِعَاب المُرجانيَّة لأنها تتلحفها الأمواج، إلا أن هذا بات من الماضي، سيَّما مع التُقدِّم العلميّ الهائل الذي نشهد آثاره، حيث تمكَّن العُلماء من تطوير تقنيَّات حديثة تكفل تحديد مواقع الشعاب المُرجانيَّة من الفضاء.

وللتغلُّبِ على التحدي سالف الذكر، تعقِدُ مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية شراكة مع مركز إيمز للأبحاثِ والدراسات التابِعُ لوكالة ناسا، والكائن مقرَّه في وادي السيليكون بولايةِ كاليفورنيا، وذلك بهدف استخدام مؤسسة خالد بن سلطان حِزم البيانات عالية الجودة بغية تدعيم وزيادة مقدرة ناسا على تعقُّبِ وتحديد مواضِعِ الشِعاب المُرجانيَّة وأماكن تمركُزِها.

تُتيحُ هذه الشراكة لناسا إمكانيَّة رسم خرائط لكافة الشِعاب المُرجانيَّة حول العالم، وتتبُّعِ المُتغيِّرات الطارئة على هذهِ الشِعاب مع مرور الوقت، ما يعُطي استبصارًا بالمسألةِ لُعلماءِ العالم أجمع بشكلٍ يؤهلهم لحلّ الأزمة المُحيقة بالشِعابِ المُرجانيَّة.

يمنح اتفاق الفضاء المُبرم مع مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية لناسا حق الوصول لقاعدةٍ مليئة بالبيانات، عملت على توفيرها المؤسسة من خلال هذا الرابط رحلة استكشاف الشعاب المرجانية حول العالم Global Reef Expedition والتي تُعدُّ بدورها من أكبر المسوح حول العالم من حيث تناولها لأعداد الشعاب المُرجانيَّة وطبيعتها، والتغيرات التي تطرأ عليها.

تعتزِمُ الشراكة استخدام الحِزمة الضخمة من البيانات هذه بالتعاون مع الشبكة العصبية NeMO-Net وحاسوب بلياديس العملاق الموجودُ في مركز إيمز، والذي يُغذي بدورهِ NeMO-Net.

يهدف مشروع NeMO-Net إلى رسم خريطة للشِعاب المُرجانيَّة حول العالم، وتتبُّع حالتها الصحيَّة ككائنٍات حية، وذلك بهدف إعطائنا أفضل نظرة تحت الأمواج حظينا بها على الإطلاق.

وباستخدام جهازٍ ثوريٍّ للاستشعار عن بعد، وهو جهاز NASA’s FluidCam المملوك لوكالة ناسا، يُمكننا من الرؤية تحت أمواج المحيطات دون غمشٍ وتشويشٍ، وباستخدامهِ أيضًا يُمكن مسح الشعاب المرجانيَّة على مقياس 1 سنتيمتر برؤيةٍ ثُلاثيَّةِ الأبعاد من الطائرات المُسيَّرة (درونز) والطائرات الأخرى.

تستخدم NeMO-Net حِزَم بيانات من الجيل الجديد من الأدوات لتصنيف الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم. وبهذا المزيجِ الفريد من الأدوات والمعلومات، يتسنى لخرائط نيمو نت أن تُمسي أكثر دقة، مما يمدُّ الباحثين والمديرين البيئيين بمعلومات أفضل حول ما يحدث للشعاب المرجانيَّة وكيفية حمايتها في وقت ينوء كاهلها فيهِ من حملِ ضغوط بشرية غير مسبوقةٍ.

لتجميع مجموعة البيانات المُستخدمة لتلقين الشبكة العصبيَّة NeMO-Net، أمضت مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية عشر سنوات في رسم خرائط الشِعاب المُرجانيَّة ومسح مواقِعها في البعثة العالمية للشعاب المرجانية.

من جانبها، جابت بعثة البحث هذه العالم أجمع في محاولةٍ منها لمعالجة أزمة الشعاب المرجانية، حيث شارك مئات العُلماء، الذين قضوا عشرات الآلاف من الساعات تحت الماء في مسح الشعاب المرجانية في المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والمحيط الهندي وكذلك البحر الأحمر.

وبالإضافة إلى التقارير العلميَّة عن حالة الشعاب المرجانية، أسفرت البعثة عن إنشاء خرائط لموائل الشعاب المرجانية عالية الاستبانة تبلغ مساحتها 000 65 كيلومتر مربع - أو حوالي خمس الشعاب المرجانية في العالم.

"كان هذا تناولًا جريئًا، وحلًا طموحًا لجذورِ المُشكلة حين أطلقت مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية ، الرحلة العالميَّة للشِعاب المُرجانيَّة في عام 2006، حيثُ كُنا نخترع التفنية حيثما ذهبنا، ونبتكِرُ سبلًا جديدة لرسم خرائط للشعاب المُرجانيَّةِ باستخدام صور الأقمار الصناعية والتحقُّق منها من خلال البيانات المأخوذة في هذا المجال" وذلك وفق تصريحات سام بوركيس، كبير علماء مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية ، وأستاذ ورئيس قسم العلوم الجيولوجية البحرية في كلية روزنستييل لعلوم البحار والغلاف الجوي في جامعة ميامي.

قاد بوركيس بنفسهِ جهود المؤسسة لرسم خرائط الشعاب المرجانية في الرحلة العالميَّة للشعاب المرجانيَّةِ، وهو متحمسٌ لرؤية ناسا تستخدم بيانات المؤسسة لنقل رسم خرائط الشعاب المرجانية إلى المستوى التالي.

حيث عبر بوركيس عن سرورهِ قائلًا:" في هذا تغييرٌ شامِلُ للوضعِ برُمتهِ" وأضاف قائلًا:"إن تقنيات التصوير الجديدة التي تقوم بها ناسا وحواسيبها العملاقة تغيِّرُ بشكلٍ كبيرٍ المشهد الطبيعيِّ لما هو ممكن من حيث رسم خرائط دقيقة لمواقِعِ الشعاب المرجانية."

من خلال الشبكات العصبية والتعلم الآلي، تقوم وكالة ناسا بأتمتةِ عمليَّةٍ تطلَّب إتمامها فريقًا مُختصًا من علماء مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية ، وسنينٍ من البحثِ الدؤوبِ والكدِّ والاجتهاد.

ولكن كل هذه الأتمتة تتطلب كميَّاٍت هائلةٍ من بياناتِ التدريبِ، والبيانات التي لم تكن لدى ناسا من الأساس، ولكن تكفَّل رجال مؤسسة خالد بن سلطان بتجميعِ البياناتِ وتبويبها، وتفصيلها في المعرضِ العالميِّ للشعابِ المُرجانيَّةِ.

حصلت وكالة ناسا على بعض البيانات التي يحتاجونها بمساعدة عشرات الآلاف من العلماء المواطنين في جميع أنحاء العالم الذين يلعبون لعبة NeMO-Net، من خلال الرابطِ التالي NeMO-Net game، وهي لعبةُ فيديو تفاعليَّةٍ لعلوم المواطن يقوم فيها اللاعبون بتحديد وتصنيف الشعابِ المُرجانيَّةِ من خلالِ الصور ثلاثية التي تم التقاطها.

وتتولى مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية بدورها تزويد وكالةِ ناسا بهذا الكم الهائلِ من البيانات، بما في ذلك جميع خرائط موائل الشعابِ المرجانيَّةِ التي تم إنشاؤها في المعارضِ العالمية للشعاب المرجانية، وبيانات التدريب على أرض الواقع التي تحتاجها لرسم خريطة دقيقة للشعابِ المُرجانيَّةِ من صور الأقمار الصناعية على نطاقٍ عالميٍّ.

وفي ذات السيَّاقِ أكَّدت ألكسندرا ديمبسي، مديرة إدارة العلوم في مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية على الأهمية البالغةِ لتحصيل البيانات ودورها في إثراء التعلُّمِ قائلةً: "إذا كنت تستخدم التعلُّمِ المُتعمِّق أو التعلُّمِ الآليّ، فإن جودة البيانات التي تستخدمها مهمة للغاية.

واستطردت ديمبسي مُصرِّحًة:" بأن مؤسسة خالد بن سلطان للمحيطات الحية تمتلك مجموعة بيانات معيارية فائقة الجودة لتعليمِ ذكاءٍ اصطناعيّ بطريق التعلُّمِ المُتعمِّقِ لأننا نعرفُ حق اليقين صحة وقيمة البيانات التي قمنا بجمعها حيثُ - ركبنا سفينة وذهبنا إلى هناك بالفعل.

إن الطريقة الوحيدة لجمع مجموعة بيانات عالمية دقيقة للغاية هي الانتقال إلى مكان الحدث وجمع البيانات على أرض الواقع.

وأضافت "عندما شرعنا في الرحلة العالميَّة للشعابِ المُرجانيَّةِ، لم يكن لدينا أيَّة أفكار عن إمكانية استخدام بياناتنا بهذه الطريقة، لكن تطورت التفنية بسرعة كبيرة، لذا كُنا نعلم أننا نجمع بيانات قيمة تحتاج إلى الصمودِ أمام اختبار الزمن."

تكمن المُشكلة بالنسبة لعلم الشعاب المرجانيَّة في أن الغالبية العظمى من الشعابِ المرجانيَّةِ في العالم بعيدةٌ لدرجة أن العلماء لا يستطيعون الوصول إلى هناك، أو لا يستطيعون الوصول إلى هناك في كثير من الأحايين.

أما في اللحظةِ الراهِنَة، تكمن الطريقة الوحيدة لمعرفة كيفيَّة تغيُّر الشِعاب المُرجانيَّةِ مع مرور الوقت في إنزال غواصين SCUBA، وهو أمرٌ مكلف جداً ويستغرق وقتًا طويلًا، ويمكن أن يكون خطيرا ويخضعُ للآراءِ المُتحيِّزةِ بشأنِ نتائجهِ.

وأردف بوركيس مرة أخرى قائلًا: "إن وضع هذه البيانات في أيدي ناسا، أعفاها من طائلةِ الذهاب إلى المكانِ على أرضِ الواقعِ، وأتاح لها بسهولة تتبُّع مواقع الشعاب المُرجانيَّةِ من الفضاء.

وهو أمرٌ رائعٌ ومبهر إذا ما استُخدِمَ للحفاظِ على البيئةِ وحمايةِ مكنوناتها" لن تتمكن ناسا من تسجيل ماهيَّة الشعاب المُرجانيَّة اليوم باستخدام صور قديمة التقطتها الأقمار الصناعيَّة فقط، بل يمكنها أيضا تتبع كيفية تغيُّرِها عبر الزمن.

ومن المُرجَّحِ أن تُصبِحَ خرائط ناسا أكثر دقةٍ في المُستقبل، حيث يتم إطلاق الأقمار الصناعية إلى المدار باستخدام تفنية جديدة يطورها برنامج NeMO-Net لتعقُّب أشكال الحياة تحت الأمواج الهادرة.

وقالت ديمبسي، التي أمضت حياتها المهنية بأكملها في العمل على علوم الشعاب المرجانيِّة وسُبلِ الحفاظِ عليها: "ستكون هذه الخرائط ذات قيمة لا تصدق للحفاظِ على الشعاب المرجانية".

ثم أضافت "من الصعب حقًا وضع استراتيجيات فعَّالة للحفاظِ على البيئةِ مثل المناطق البحرية المحمية إذا كنت لا تعرف ما الذي تحافظ عليه. أما عن الخرائط الماثلة بين أيديكم، فإنها تتولى سد هذه الفجوة، ويمكن أن تفيد النظم البيئيَّةِ للشعابِ المُرجانيِّةِ، والناس الذين يعتمدون عليها، لأجيالٍ قادمة."