عبدالله العولقي

حول الحضارة الغربية

السبت - 12 يونيو 2021

Sat - 12 Jun 2021

لقد أخطأ المفكر الأمريكي الشهير فوكوياما عندما اعتبر الليبرالية الغربية هي المنتهى الجبري الذي ستؤول إليه جميع الأنظمة البشرية حول العالم، فالكل يدرك أن الليبرالية الغربية تعاني اليوم من مآزق صعبة يقول عنها المفكر الأمريكي باتريك بوكانن في كتابه موت الغرب، «بأن الحضارة الغربية في طريقها المحتوم للانهيار، لسببين، الأول: الموت الأخلاقي بسبب تراخي وانهيار القيم التربوية داخل الأسرة الغربية عموما، والأمريكية على وجه الخصوص، والسبب الثاني: هو موت بيولوجي أو ديموغرافي كنتيجة طبيعية لموت الأخلاق وتراجع القيم الدينية في معظم المجتمعات الغربية».

يرى بعض المفكرين المهتمين بالحضارة الغربية أن مضمون التحذيرات التي يطلقها المؤرخون والكتاب الغرب تجاه حضارتهم ليست سوى سر من أسرار قوتها الاستثنائية في التاريخ، ومناعتها ذات الاستمرارية الزمنية تجاه المستقبل، بمعنى أن تحذيرات الانهيار تعمل كمؤشرات إنذار تدق ساعاتها التوجسية وقت الإحساس بالخطر لتتوجه البوصلة حينها نحو الطريق الصائب، فهي حضارة استثنائية ذات مناعة قوية ولديها مقومات متكاملة تردعها من الانهيار الكامل أو السقوط التام.

وفي المقابل نجد أصواتا في الغرب لا تؤمن بهذه النظرية، وتؤكد أن الحضارة الغربية لا تختلف عن أي حضارة بشرية أخرى في التاريخ، وقد أكملت دورتها الصاعدة، وهي تسير الآن باتجاه الهبوط حسب نظرية ابن خلدون الشهيرة، وأن الترف المتفاقم قد أدى إلى انهيار تام في مفهوم الأخلاق، يقول الأستاذ حاتم عبدالمنعم: إن موت الغرب مسألة وقت لأن المرض خطير ويتعاظم، فبسبب عمليات الإجهاض وحدها، انخفض عدد سكان أوروبا بصورة مريعة خلال المئة سنة الأخيرة، بينما تؤكد بعض الدراسات أن نسبة الأطفال غير الشرعيين في الولايات المتحدة قد تصل إلى نسبة الربع، وهنا يتساءل الكاتب الكبير، فهل بعد ذلك الانهيار والانحطاط من حضارة إنسانية؟

أيضا هناك قلق ثقافي أوروبي واضح تجاه الهوية التنويرية التي صاغتها الفلسفة الأوروبية في القرون الثلاثة الأخيرة، والتي كانت السبب الأساسي في نشوء الحضارة الغربية الحديثة، فالديمقراطية التي هي جوهر العملية السياسية الأوروبية قد أفرزت اليوم انتصارات ساحقة للأحزاب اليمينية المتطرفة، وهذه الحالة الطارئة ربما تخلق فجوة ثقافية واسعة بين المؤمنين بمسببات الحضارة التنويرية وبين المتطرفين الذين لا يفقهون سوى لغة الكراهية والعنصرية، والعودة بأوروبا إلى أزمنة القرون الوسطى.

وأخيرا لم يعد لدى الحضارة الغربية من بضاعة تروجها أمام الآخر سوى جامعاتها العريقة وما تقدمه من دراسات وبحوث في خدمة الإنسانية، أما ديمقراطيتها التي تشدقت بها في الماضي، فقد جلبت لها الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ستعمق الخلافات العنصرية داخل المجتمعات الأوروبية، بالإضافة إلى أن ما تروجه آلتها الإعلامية حول المرأة وحقوق الإنسان لم تعد تجد نفعا في عالم اليوم، فدولة مثل الصين وهي بعيدة كل البعد عن مقومات الحضارة الغربية تسير بخطى ثابتة لمزاحمة الولايات المتحدة حول صدارة العالم.

@albakry1814