عبدالحليم البراك

الاغتراب!

الاثنين - 07 يونيو 2021

Mon - 07 Jun 2021

الاغتراب أن تعيش بلا حياة، أن تأكل وتشرب بلا طعم لمأكلك، ولا مشربك، الاغتراب أن تكون موجودا ولا ترى، وأن تكون حيا بلا حياة، أو بمعنى آخر حياة بما يشبه الموت، الاغتراب، ليس غربة في موقع جغرافي بعيدا عن أهلك! الاغتراب أزمة وجودك بين موجودات قد لا تراها وقد لا تراك، أو أنها تراك ولا ترى كينونتك وذاتك، وربما أنت لا ترى كينونتها بسبب سياق طغيانها عليك!

الاغتراب، أن تخشى أن تتحدث لأن صوتك الخفيض مبحوح بالخوف، أو عدم الفهم من الآخرين أو بسبب تنمر الجموع عليك، (الجموع الكبيرة أو الجموع الصغيرة أو الجموع المتناهية بالصغر، أو تلك الجموع المعنوية التي لا تمت للمادة بصلة) فيرجع الصوت وصداه إليك حتى تدمن الصمت المجروح، الصمت الذي لا يتصل بصلة إلى شروط الحكمة، بل هو أقرب للاغتراب أكثر وإلى القهر أكثر، حتى يصبح صوتك غريبا عليك لو نطقت، فضلا عن كونه غريبا -حتما- عليهم أيضا، أو يصبح رأيك غريبا عليهم وعليك لو تحدثت، فتنشأ عزلة المغترب في دائرته ومحيطه بعد أن امتدت خيوطها من الناس إليك!

الاغتراب أن تخشى أن يتم تصنيفك في سياق أحادي لا يؤمن باختلافك عنهم، فتؤثر المسير في التيار، رغم أن داخلك يرفض الاتجاه والتيار والسائرين وما ساروا عليه، (وترفض السور والباب والحارس.. إشارة إلى قصيدة البدر بن عبدالمحسن.. وتود لو تقول شيئا ولكن خوفك يسبقك فيلجمك الصمت بالصمت كالحبل الطويل الذي لا ينتهي فتغربت في محيطك حتى تدمن أن يكون تصنيفك بلا تصنيف أصلا، أو يكون تصنيفك تابعا، بكلماتك المزورة وعباراتك المتشابهة مع عباراتهم حتى لا تختلف عنهم، فتعتمد اللامعيار معيارا لعيشك!

الاغتراب أن تريد أن تفعل وتترد، فالفعل حقك ما لم تعتد فيه على غيرك، ولكن يمنعك رغبة المتشابهين أن تكون متشابها معهم، لا تشذ أفعالك عن أفعالهم فتكون آخر في وقت لا يريد أحد منهم أن يكون ثمة آخر بينهم إذ كلهم (أنا) متجمعة، أو أنها (أنا) تفرقت على رجال كثر! فذاتك في اغتراب عن ذواتهم ففعلك لا يشبه فعلهم ومع هذا تردد وتردد وتردد ومدار التردد هو الخوف من الاغتراب، فتغترب أكثر وتغوص في بحره أكثر!

بالمناسبة، الخوف على الآخرين يخلق الاغتراب، بل هو اغتراب آخر، أن تخاف على طفلك فلا تنطق، أو تخاف على أمك فلا تفعل، أو تخاف على زوجك فلا تؤمن بما تود الإيمان به، هذه غربة أخرى، لأن أداه الآخر؛ هم الآخرون الذين تحبهم، فالتعرض لهم يحد من تميزك عنهم!

ويجدر القول أن شعور الاغتراب، أو حالة الاغتراب هي حالة الاستنكار لما تتعرض له من تهميش وتنمر وتسلط، فتبدأ أعراضها بالشعور بها فيصدر عنكَ قلق اسمه الغربة وسط الناس فيخلق اغترابا بين أهلك وناسك!

Halemalbaarrak@