عبدالحليم البراك

ثقافة لوم الآخر!

الاثنين - 31 مايو 2021

Mon - 31 May 2021

ربما المسألة مرتبطة بالكائن الإنساني، لكنها حتما تزداد في ثقافات معينة وتقل في ثقافات أخرى، لكن لوم الآخر في أساسه هو التخلي عن عبء المسؤولية في الخطأ والفشل والإخفاق ورميه على الآخر، حتى يزعم الإنسان بكماله، ليس هذا فقط، بل حتى كي يجد الإنسان مبررا للعداء أو الابتعاد أو الهجوم على الناس، اعتاد الإنسان (الفرد) وتبعته (المنظمات والجماعات والهيئات والحكومات وكل أشكال التجمعات التي أنشأها الإنسان) على لوم الآخر:

يلوم الفرد الحكومة لم لم تنظم هذا، ولم تفرض هذا، ولم لم تسمح وتتابع ذاك، ولا يلوم نفسه لماذا لم يفرض على نفسه وينظم نفسه ويبادر بنفسه كفرد، نحو العمل الذي يلوم الحكومة عليه، ومن أعلى الهرم إلى أدناه، يكرس الفكرة نفسها الطالب، فيمارس لغة فيها رمي الفشل على غيره لوما، فيقول عن فشله: رسبني الأستاذ بينما إن نجح قال بلغة الواثق «نجحت» فالفشل بسبب بينما النجاح ينسب إليه.

وتتواطأ اللغة مع الرغبة الإنسانية، (ربما اللغة العربية فقط؟ لا أدري!) فاخترعت الفعل المبني للمجهول، حتى تخلص الفاعل من عبء الفعل؛ لتشير للفعل دون أن تلقي اللوم على أحد أو تدفع النظر نحوه، فتقول (قتل الرجل) ولا أحد يعرف القاتل الذي يجب أن يلام، بينما كل التركيز على المقتول المتعاطف معه!

ويلوم الإنسان في عالم الاقتصاد؛ التسويق، كيف يختطف انتباه الإنسان، ولا يلوم الإنسان الذي سلم عقله لمن يختطفه بلا أدنى مقاومة، فيسرد لك سبل الإغراء في التسويق من أجل أن تشتري، وبرغم أن المال مالك، والقرار قرارك، إلا أن اللوم يقع على المسوق، والمتسوق بريء من الغفلة ومسلوب الإرادة، فهل يعقل هذا؟

ويلوم الناس في عالم السياسة؛ الماسونية، والحكومة الخفية، واليهودية العالمية، وأندية الروتاري؛ ولا يلوم نفسه عندما لا يقاوم ما يظن وجوده، بل لا يخلق كيانات بديلة، بل هو لا يتحقق من مصداقية هذه الافتراضات أصلا هل هي موجودة أم من صنع خيال المؤامرة التي تشبع به الإنسان في داخله!

ومن أمثله اللوم أيضا، يلوم الابن أباه أنه لم يربه على فضيلة أو عادة معينة، وبرغم أنه راشد بالغ جدير به أن يدرب نفسه ويربي نفسه عندما كبر، فإنه لا يزال يلوم والديه، والوالدان يلومون الإعلام والشارع على التربية ولا يرمين أدنى عتب على فشلهما في تربية الأبناء لأن ثقافة لوم الآخر متأصلة في دواخل النفس البشرية.

وفي الإدارة يلوم الموظف المدير والوزير ويقترح لو سن هذا القرار أو فعل هذا الأمر لتحسن حال الموظف وتطورت الإدارة، وأتقنت الوزارة في أداء أعمالها، والمدير والوزير يلوم الموظف الصغير لأنه لبنة المنشأة فلولا تخاذل الموظفين عن أداء أعمالهم لما قدر لخطط المدير والوزير بالفشل، وهذا يلوم ذاك لأننا اعتدنا ألا نعترف بفشلنا، بل بالآخر الذي يحبط أعمالنا!

ويلوم المريض المرض، برغم أنه يملك أداة فعالة في مقاومة المرض هي الروح التي تقاوم المرض ولا تسمح له بالانتشار، أو التعايش مع المرض بما لا يسمح للمرض أن يؤثر على يومك، أو بتحري أفضل علاج لمقاومة المرض نفسه، لأن المرض نفسه لم يسلم من عتب الإنسان، ومثله مثل الطبيعة، ومثله مثل المطر الذي إذا نزل أفسد المتعة، وشدة الحرارة التي إن جاءت أفسدت الأجواء والغبار إن نزل على الأرض رحل الفرح للسماء!

هوس الإنسان بلوم الآخر جعلنا نفقد الإنجاز، والتعايش، وصار الإنسان فاشلا بطبعه، وبساطة الأمثلة لا يعني تسطيح المعنى، فلوم الآخر يغطي فشل العلم والتقدم والتعلم والصناعة والتكنولوجيا، بل والحياة السعيدة!

Halemalbaarrak@