سالم الكتبي

ماذا يحدث في فيينا؟

الأربعاء - 19 مايو 2021

Wed - 19 May 2021

رغم أن أنظار الدوائر السياسية والأمنية إقليميا ودوليا انصرفت في الآونة الأخيرة باتجاه ما يحدث داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن مفاوضات فيينا لا تزال هي الأولوية القصوى والشغل الشاغل لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث تؤكد التصريحات الرسمية أن البيت الأبيض يرغب في التوصل إلى تفاهم بشأن العودة إلى الاتفاق النووي قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

الشواهد والتصريحات الرسمية تؤكد أن هناك تقاربا قد حدث بين الموقفين الإيراني والأمريكي في هذه المفاوضات غير المباشرة، التي يتوسط فيها الأوروبيون، ولكن تبقى حدود هذا التقارب غير معلومة في ظل حرص الأطراف جميعها على التكتم وسرية المفاوضات كما حدث في المفاوضات التي استغرقت أعواما وانتهت بتوقيع اتفاق عام 2015.

والأمر المرجح أن التهديدات والضغوط التي مارسها ـ ولا يزال ـ نظام الملالي الإيراني على إدارة الرئيس بايدن تؤتي أكلها، ولاسيما منذ الإعلان عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو ما أكدته تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالفعل، بل إن الوكالة التابعة للأمم المتحدة قد أكدت أن إيران خصبت اليورانيوم بدرجة نقاء أعلى بقليل مما كان يعتقد في السابق بسبب «التقلبات» في العملية، حيث أظهرت العينات المأخوذة بمعرفة مفتشي الوكالة في أبريل الماضي إلى أن مستوى التخصيب يصل إلى 63%.

وأعتقد جازما أن الملالي يمارسون ضغوطا تصعيدية محسوبة بدقة على أجواء مفاوضات فيينا، ويستخدمون في ذلك جميع التكتيكات التي يجيدون توظيفها في مثل هذه الظروف، وفي مقدمتها لعبة توزيع الأدوار، التي قام من خلالها مجتبي ذو النور رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني بالتهديد بـ»تعتيم» البرنامج النووي الإيراني إذا لم تتوصل محادثات فيينا إلى نتيجة بحلول 23 مايو الحالي، وهذا يعني إغلاق كاميرات المراقبة التي وضعها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في داخل المنشآت النووية الإيرانية، واعتبر مجتبي أنه لم يحدث أي جديد في فيينا، وأن المحادثات أصبحت «استنزافية» وذلك رغم أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أكد حدوث تقدم في تلك المحادثات!

تقييد وصول مفتشي وكالة الطاقة الذرية بذريعة الخضوع لقانون أقره مجلس الشورى الإيراني ويلزم الحكومة بتسريع الأنشطة النووية الإيرانية ورقة ضغط قوية يستخدمها بقوة نظام الملالي للضغط على المفاوض الأمريكي وانتزاع أقصى تنازلات منه بسرعة وقبل حلول الانتخابات الرئاسية الإيرانية منتصف يونيو المقبل.

إحدى النقاط الفنية الصعبة في تعامل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع نظام الملالي أن الاتفاقات التي تبرمها مع هذا النظام تصب غالبا في مصلحته وتكون له اليد الطولى في تطبيقها، ومنها الاتفاق الأخير الذي نص على إبقاء كاميرات الوكالة داخل منشآت نووية إيرانية خاضعة للرقابة لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر، لكن ـ وهذا هو الأهم ـ لن يتم تسليم أي فيلم للوكالة خلال هذه الفترة، أي أنها تفتقر إلى الأسانيد والأدلة الداعمة لأي استنتاجات قد تدين الملالي في حال حدوث خلاف بين الطرفين.

ولا شك أن تصريحات القادة والمسؤولين الإيرانيين تعكس قدرا عاليا من الثقة بالنجاح في العودة للاتفاق النووي وفق ما تمليه طهران، حيث أكد الرئيس روحاني مؤخرا أن إيران «لن تتخلى عن أي من حقوقها في الاتفاق النووي.. العقوبات الأمريكية على طهران تقترب من فشلها النهائي.. واشنطن باتت تدرك أنه لا خيار أمامها سوى الالتزام بالاتفاق النووي وتطبيق القرار 2231»، لافتا إلى أن الطريق بات معبدا لرفع العقوبات الأمريكية عن طهران، وأكد روحاني أن مباحثات فيينا تسير على الطريق الصحيح، وأن الشعب الإيراني يرى اليوم «ثمار صموده ومقاومته في فيينا»، وهذا يعكس أحد أمرين إما المزايدة السياسية داخليا وهذا أمر مستبعد في الوقت الراهن، أو حجم الثقة في الفوز بما يريده الملالي، وهذا هو الأرجح، ما يعني تلاشي أثر السنوات الأربع الماضية والعودة إلى مربع الصفر ولكن بوضعية استراتيجية أفضل للملالي الذين استغلوا السنوات السابقة منذ عام 2015 في التوسع والتمدد جغرافيا بشكل يعزز موقفهم في أي حوار تمهيدي محتمل حول الملفات التي تريد إدارة الرئيس بايدن و»الثلاثي» الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) مناقشتها معهم لاحقا.

الحاصل أن العودة للاتفاق النووي ربما تبدو وشيكة، وأن المسألة تتوقف على مدى مرونة الطرف الأمريكي تحديدا في منح تنازلات كاملة لممثلي النظام الإيراني في فيينا، لأن الملالي من جانبهم قد حسموا أمرهم بعدم تقديم أي تنازلات جوهرية تذكر، والمؤكد أن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية وانتهاء ولاية الرئيس روحاني ينفي تماما أي احتمالية لتقديم تنازلات، ما يعني أنه ربما يتم الإعلان عن تحقيق اختراق نوعي في المفاوضات قبل انتهاء موعد عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الحادي والعشرين من مايو الحالي.

رغم أن إدارة الرئيس بايدن تفضل التوصل لاتفاق قبل إجراء نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية قد تأتي برئيس ينتمي للجناح الأكثر تشددا في نظام الملالي، فإنها ـ في ظل هذا التسرع والهرولة ـ قد تخطئ بتقديم تنازلات غير مبررة لنظام اعتاد المناورة وخداع الآخرين.

drsalemalketbi@