علي المطوع

الطبيب القائد والطبيب المدير

الاحد - 09 مايو 2021

Sun - 09 May 2021

كنت ومازلت من أكثر المؤمنين بقدرة الطبيب (الكفؤ الخبير) وأهليته لقيادة المنظومات الصحية قبل غيره من التخصصات الأخرى، كونه يملك البعد المعرفي الطبي، وقبل ذلك كاريزما القائد، وشيء من الخبرات والتجارب الإدارية في مرافق صحية عديدة، والتي تسهل له القيام بواجباته كقائد صحي فاعل، لمنظومة عمل تمتاز بكثرة تخصصات أفرادها وتنوعهم وتعدد منطلقاتهم وطرائق التعامل معهم.

هذا القائد الصحي ينبغي أن يكون صاحب شخصية قوية، يجسدها سمته وسماته، ولمساته وهمساته، وتوجهاته وتوجيهاته، وقبل ذلك بالضرورة تسلسل تجاربي وخبراتي يجعله ملما بالطباع العامة للأفراد في هذه المنظومات، ثم خصوصية كل تخصص وما يقتضيه ويحتاجه، بعد ذلك تأتي طريقة عمله والتي تبدأ بتحديد الأهداف، وتشكيل فرق العمل الفاعلة، يعقب ذلك المراقبة المستمرة من خلال المؤشرات التي توضح مسار المنظومة، واتجاه هذا المسار وسرعته والمعوقات والتحديات التي تحد من استمرار صعوده وديمومته.

على الصعيد الشخصي كنت محظوظا أن أتيحت لي فرصة فارقة لأكون عضوا في فريق استجابة يقيس رضا المريض، من خلال مجموعة تواصلية تضم كل التخصصات، هنا ومن خلال هذه المجموعة ونجاحها المميز المطرد، شهدت وشاهدت، وتأكدت وآمنت بأهمية وجود طبيب قائد على رأس الهرم في أي منظومة صحية؛ لأن الطبيب القائد يركز على الخطوط العريضة والعناوين الكبيرة، ويقيسها من خلال المؤشرات التي تعكس الإنتاجية والتي تشكل في النهاية رضا المريض عن المنشأة وخدماتها، إضافة إلى ذلك فإن من مواصفات هذا القائد أنه صانع قرار سريع وفعال من الطراز الأول، مما يجعله قادرا على ضبط إيقاع المجموعة الصحية وأفرادها لضمان عدم خروجها عن المسار الصحيح، ومن صفاته أيضا أنه يملك حسا قياديا عاليا ومعرفة كبيرة بالسياسات والإجراءات وطرق التصحيح وتغيير المسارات والإجراءات التي تخدم توجه المنظومة العام وتصل بالمريض إلى تلك الحالة التي نرجوها جميعا وهي الرضا.

في المقابل هناك المدير الطبيب؛ والذي يكون في حضوره وتأثيره أقرب لبرامج ما يطلبه المشاهدون، فشخصيته من أكثر الشخصيات غرابة وتعقيدا، هذا النوع من المديرين الصحيين، عادة يكون جديدا على المسؤولية صغيرا في السن يتمحور حول أنا زائفة بعيدة عن نحن الجمع والجماعة والحق والحقيقة، في البدء يعيش سكرة المهمة الجديدة أمام نفسه الصغيرة وأترابه الصغار ومحبيه على السواء، متلبسا القصيبي شكلا دون المضمون، والربيع بفصليه، لكن ربيع صاحبنا خريف لا خضار فيه ولا ثمر.

مشكلة هذا الصنف من المديرين أن أذنه سماعية من طراز فريد تفوق الأطرش الفريد في زمن بعيد، بمعنى أنه يبني ردات فعله على القيل والقال، ومن خلال ما يصله من ادعاءات مغرضة وافتراءات مقيتة ضد بعض المستضعفين في هذه المنظومات، هذه الوشايات المغرضة تبدأ في تشكيل منهجه الذي يقوم على محاولة إثبات ما سمعه وليس إثبات صحته من عدمها، وهنا تبدأ المشكلة وتكمن في كونه يبدأ مرحلة من الصدامات الشخصية والتي تتحول مع الزمن إلى خلافات عميقة تؤذي المكان وتؤذيه والعاملين فيه وعليه، وفي المقابل فإنه يتجاهل مؤشرات الجودة والأهداف المرسومة للمكان من قبل رئيسه الأعلى ليصبح مع الزمن أسيرا لمشاعر انتقامية تزداد سوءا يوما بعد يوم، والنتيجة أن هذا النوع من المديرين يدخل في صراعات شخصية مع الموظفين بل قد يستخدم من خلال مكانه وإمكاناته وحسن نيته ليصبح هراوة تصفى بها حسابات الفرقاء في هذا القسم أو ذاك، والنتيجة فشل إداري كبير ينعكس على المنظومة بكاملها ومستوى خدماتها.

بقي شيء أخير يمكن أن يقال عن الطبيب المدير الحديث التجربة، أنه يظل خامة مهمة قابلة للتطوير والتحسين متى ما تم توجيهه في الاتجاه الصحيح ومراقبته وقياس مستوى تفاعله وإنتاجيته مع الجميع، شريطة عزله عن النهايات الطرفية المقيتة والقميئة وتحذيره منها؛ لأن التجارب تقول إن هذا الصنف من المديرين وإن كان طبيبا متميزا في تخصصه إلا أنه يظل من أكثر الفئات الإدارية عرضة للخطأ والتقصير في بداياته وخاصة عندما يختزل حضوره الإداري في أساليب القيل والقال وكثرة الخصام، ومفاهيم الفزعة والبلطجة، ونصرة القريب ظالما على حساب مظلوم ناصح أمين.

@alaseery2