محمد الأحمدي

أصلح النوافذ المحطمة سريعا

الثلاثاء - 04 مايو 2021

Tue - 04 May 2021

في هذه المقالة سأجلب التمر إلى هجر، والعود إلى ديار الهند، والمسك إلى أرض الترك، والماء إلى حارة السقايين حتى أصلح النوافذ المحطمة قبل أن تصبح الروض ماحلة، والعنق عاطلة، والنفس مكوية بلسعة الألم، أو ملدوغة بسم الحطام.

أكتبها لتكون شعارا ودثارا ووقاء للباحث من وعثاء رحلته العلمية. ولذا فإني في سلسلة القواعد الذهبية للباحث أستجلب النظريات والتجارب لأسخرها لصانع المعرفة، ومحجل العلم، ودوحة الإبداع.

برز في علم الجريمة نظرية سميت بنظرية النوافذ المحطمة Broken Window Theory للدلالة على تأثير الفوضى والتخريب وتدمير السلوكيات المجتمعية الجيدة.

وفي الحقيقة يعزى الفضل في إيجاد هذه النظرية إلى المفكرين جيمس ويلسون، وجورج كيلنج التي كان لها التأثير الكبير في تغيير سياسة الشرطة في التسعينات من القرن الحادي والعشرين.

برز تطبيق هذه النظرية في المجال الأمني في مدينة نيويورك إبان رئاسة ويليام براتون لمواجهة ارتفاع مستوى الجريمة آنذاك، واستحدث بناء على فكرة النظرية رجل الأمن السري الذي يباشر فيه رجال الشرطة مهامهم بملابسهم المدنية دون الرسمية؛ من أجل القبض على مخترقي النظام، وعدم التسامح معهم، وإصلاح النوافذ المكسورة في خرق الأنظمة والقوانين أولا بأول قبل أن تتراكم النوافذ المحطمة، فتنشر الفوضى بين فئات المجتمع، وتضعف سلطة النظام الذي يحقق العدالة المجتمعية.

استمر السيد براتون في توسيع تطبيق هذه النظرية على ظاهرة التسول، والسلوكيات غير المنضبطة في الأماكن العامة بولاية نيويورك، كغسيل زجاج السيارات غير المرغوب فيه، وبيع الممنوعات، ومعالجة السيارات المهجورة على الأرصفة ونحوها من القضايا. وحقق نسبة مرضية في تقليل معدل الجريمة أو مخالفة القانون تقدر بحوالي 40% عند استقالته في 1996م على أقل تقدير.

النظرية ببساطة تقوم على مبدأ معالجة الصغائر حتى لا تنمو فتصبح جرائم أو كبائر ذات يوم من الأيام.

فالجرائم الكبيرة كالسرقة، والقتل، والاغتصاب هي نتائج لممارسات وانتهاكات صغيرة استمرت فترة من الزمن حتى استفحلت ثم ظهرت على شكل صورة جريمة أكثر قسوة من تلك الصغائر لدى مرتكبيها.

إن هذا المبدأ على بساطته يحمل فكرة إبداعية، وواقعية لمعالجة القضايا أيا كانت. فارتكاب الصغائر يشجع الآخرين على ارتكاب المزيد منها في الحياة اليومية، وبالتالي تستبدل العادات المجتمعية الجيدة بأخرى غير مرغوب بها.

وعند النظر في علم النفس المختص بدراسة السلوك البشري تجد أن معالجة القضايا في مهدها، والسلوكيات اليومية أولا بأول قبل أن تتراكم في النفس، وتشكل سلوكا غير مرغوب متفق مع معالجة النوافذ المحطمة في طليعتها وإلا حينئذ يصعب محو أثرها، وتسعى إلى تشكيل حالة من الندم، والوصب لدى الإنسان، وتحمل أعباء إصلاح الفوضى العارمة من تحطم النوافذ، أو انتشار شظاياها في أنحاء الحياة.

أشار حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهذا المبدأ حين حذر من صغائر الذنوب بقوله «إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وذا بعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه». وهذه هي نظرية معالجة النوافذ المحطمة في عقيدتنا الإسلامية.

وعند أخذ مبدأ نظرية النوافذ المحطمة في سياق الباحث الأكاديمي الذي بنى بيته من الزجاج في رحلته العلمية فإن الأجدر به معالجة القضايا المتعلقة ببحثه بشكل دوري ومستمر، والأفضل معالجتها في مهدها قبل أن يتطلب إصلاحها جهدا بالغا، وثمنا باهظا، أو قد يصعب معالجتها في بعض الأحيان.

ومن هذه النوافذ نافذة التسويف التي يجب أن تعالج قبل أن تنتشر شظاياها لمناشط حياتك العملية، وحتى من الأفضل للإنسان أن يقلل من استخدام زمن المستقبل في تنفيذ المهام إذا لم يصاحبها رؤية وخطة والتزام تام بتحقيقها حتى لا يصبح التسويف عادة يومية متلازمة مع الإنسان.

بل من الأجدر بالباحث وضع حد لهذه النافذة ومعالجتها بشكل عاجل وإلا فالنتيجة واضحة لكل باحث. سيمضي الوقت كلمح البصر ويبقى الحال أسوأ مما كان عليه.

إذن، إصلاح النوافذ المحطمة قاعدة فضية من قواعد الحياة العامة، وذهبية للباحث، حيث تمكنه من معالجة واستباق تكون السلوك غير المرغوب فيه الذي يعترض طريق إنجاز المهمة البحثية. الدرس الذي تحمله هذه المقالة أن تصلح النوافذ المحطمة أولا بأول، وأن تبادر في تقديم الحلول للمشاكل التي تواجهك قبل أن تأخذ هذه المشاكل حيزا أكثر مما تستحقه من حياتك.كـل الحوادث مبدؤها من الكسل ومعظم النار من مستصغر الشرر.

alahmadim2010@