بندر الزهراني

البدلات وفساد المحفزات!

الاحد - 02 مايو 2021

Sun - 02 May 2021

‏بداية دعونا نتفق قبل أن ندخل في التفاصيل الدقيقة على شيئين: الأول أن الساحة الأكاديمية ليست كلها مثالية، كما قد يتوقع البعض، بل فيها انحرافات أكاديمية كثيرة، وخروقات عديدة لم تكن موجودة أو معروفة فيما سبق، وللأسف لها مخارجها القانونية. والثاني أن الأكاديميين أصناف ثلاثة: صنف ذرائعي براغماتي غارق من أخمص قدميه إلى شحمة أذنيه في ممارسات لا علاقة لها بالأخلاق والأعراف الأكاديمية، وصنف ثان يمكن اعتباره على أنه من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر غير ذلك؛ عسى الله أن يتوب عليهم، والصنف الثالث إما صامت بالفطرة أو دائما خارج التغطية.!

أي نعم، بدلات التميز صدرت بقرار من مجلس الوزراء، وكانت ضمن حزمة من القرارات الشجاعة لتدعيم الحركة البحثية، وتشجيعها ماديا ومعنويا، إلا أن تفسير بعض الجامعات الخاطئ لحوكمة الصرف وآلية الاستحقاق، وضعف المتابعة الدقيقة والمعالجة الصحيحة، جعلت من هذه البدلات مصادر صرف واستنزاف مالي في غير محله، وبالتالي مداخل للفساد الأكاديمي ومعاول هدم للتخطيط البناء، وتشويه النشاط البحثي المحلي.

ولا شك أن المسؤولين ممن وضعوا بدل التميز لعضو هيئة التدريس لم يكن في حسبانهم أن هذا البدل سيكون يوما ما ولو بشكل نسبي مدعاة للصرف الخاطئ، أو حافزا على الفساد الأكاديمي، وقد يتساءل البعض كيف يكون الوضع كذلك؟ بمعنى هل من المعقول أن نؤسس لشيء نتأمل ونتلمس أثره الإيجابي فينقلب الوضع على عكس ما كنا نريد؟

والجواب ليس صعبا، ولا هو أحجية أو سر من الأسرار، ولا يحتاج للبحث والتحري، بل إن الجامعات لا تخفي ما تقوم بصرفه من هذه البدلات، ولا تشعر بالخجل مما تفعله من ممارسات في سبيل استحقاقها للبدلات، وعلى النقيض فما نتوجس أو نتخوف من شرعيته الأكاديمية يكون باعثا لهذه الجامعات على التباهي والتفاخر بما تناله من إطراءات ومراكز متقدمة في التصنيفات الدولية.

في الجامعات المحلية الكبرى، خاصة تلك التي تأتي في مقدمة التصنيفات، بدل التميز لا يصرف على أنه نسبة ثابتة من الراتب الأساسي أو محدودة بسقف أعلى، بل يصرف بشكل نسبة تراكمية تصل إلى 100%، وفي حالات قيل إنها وصلت إلى 150%، هذا غير مكافأة النشر العلمي التي تصرف مقطوعة على البحث الواحد بما يعادل ألفي ريال أو ثلاثة، وقيل أكثر من ذلك.

ولو قمنا بعملية حسابية بسيطة لوجدنا أن الباحث المحلي الذي ينشر أربعة أبحاث في الأسبوع الواحد (كما تشير الإحصاءات) سيتقاضى 50 ألف ريال في الشهر كمكافأة، بالإضافة لبدل التميز 18 ألف ريال، عدا عن مرتبه الشهري وبدل التعليم الجامعي وبدل الندرة وبدلات أخرى، فلو اعتبرناها في المتوسط 42 ألف ريال، فإن مجموع ما يتقاضاه هذا العبقري هو 110 آلاف ريال في الشهر الواحد، ولو كان يستحقها فعلا أو يستحق عشرها لما ضربناه مثلا يقتدى به إلا في التميز الحقيقي!

ولكن أين الفساد طالما تحققت كل متطلبات استحقاق البدل؟ هذا سؤال كان سيكون وجيها فيما لو كان متوسط النشر العالمي للباحث العادي هو 4 أبحاث في الأسبوع الواحد أو كان الباحث نفسه عبقريا على مستوى الكرة الأرضية كأن يكون مثلا ألبريت أينشتاين أو كورت غودل، وحينئذ يكون هذا السؤال معقولا، أما وأن الواقع عكس هذا الخيال فعلينا أن نتساءل عن الطرق والأساليب التي انتهجها هؤلاء للثراء السهل والسريع دون حسيب أو رقيب، ومن هي الإدارات التي سهلت أو فسرت لهم تلكم الاجراءات!

ولنا أيضا أن نتساءل، هل هذه الممارسات التي نتحدث عنها هي حالات شاذة، والمستفيدون منها قلة قليلة لا يمكن التعميم بها أو القياس عليها؟ لا، ليسوا قلة، بل هم فئة لها وزنها العددي، وتنمو وتتزايد أعدادها يوما بعد يوم، وليسوا في جامعة أو جامعتين، بل في كل الجامعات، وربما هذه الفئة ستصبح أغلبية في غضون سنوات قلائل، ما لم نعد التفكير في بدلات التميز ونقنن صرفها بشكل فيه من الحكمة والعدل ما يضمن تحقيق أهداف الرؤية التي يتحدث عنها ولي العهد حفظه الله.

رؤساء ووكلاء وعمداء ومستشارون رغم أعمالهم الإدارية الكثيرة إلا أن أغلبهم يتمتع بمزايا بدلات التميز! ليس بنسبة محدودة، بل بنسبة مئوية تراكمية، وتتزايد حتى إلى ما فوق المئة، إذن كيف استطاع هؤلاء -إن قلنا مجازا- الجمع بين أعباء الإدارة والتفرغ التام للأبحاث العلمية! هذا ما لا يقبله العقل السوي، وكما قيل: حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فلا عقل له.

قد نتفهم قلق وتوتر الصنفين الثاني والثالث من مستفيدي البدلات عند أي حديث جاد يتناول موضوع البدلات والمكافآت، لا لشيء إلا لأنهم كمن يقول (عض قلبي ولا تعض بان كيكي) أما مسألة البناء الصحيح والمتابعة الدائمة ومعاقبة المخالف فهي بالنسبة لكثير منهم قضايا ثانوية طالما استمر البدل في التدفق والجريان، وعلى أي حال، ليسوا كلهم سواء، فمنهم المميز لحاجة، والمميز لحاجتين، والمميز لحاجتين وأكثر، ومنهم غير ذلك كانوا طرائق قددا.

عرفنا المشكلة فما هو الحل؟ الحل من وجهة نظري يتمحور في نقطتين: النقطة الأولى أن نتخلص من الإدارات الجامعية التقليدية، لأنها السبب الأول في ضعف التخطيط وعسر التنفيذ، ولأن جامعاتنا بحاجة لقيادات كتلك التي تحدث عنها سمو ولي العهد في لقائه التلفزيوني قبل أيام، قيادات شغوفة بما تعمل، لا شغوفة بما تناله من بدلات ومكافآت؛ والنقطة الثانية أن نوقف الاستنزاف المالي بوقف هذه البدلات فورا، ونبدأ في تصحيح انحراف مسار العملية البحثية بما يضمن تحقيق أهداف الرؤية، وعندئذ نعاود صرف البدلات بشكل صحيح وسليم، والله الهادي إلى سواء السبيل.

drbmaz@