شاكر أبوطالب

نحو فهم متجدد وأعمق للقرآن

الاثنين - 26 أبريل 2021

Mon - 26 Apr 2021

ولأن القرآن الكريم آخر الكتب السماوية، أنزله الله عز وجل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، عليه الصلاة والسلام، الذي أرسله الحق سبحانه لتبليغ دين الإسلام، مجمل الرسالات السابقة، وخاتمة الشرائع وأكملها.

إن القرآن الكريم صالح لمخاطبة أي مسلم في كل زمان ومكان، وبالتالي فإن استيعاب تنزيل العزيز الحكيم مهمة مستمرة في كل وقت، وعملية متجددة وفق أحوال كل أرض، وهذا يتطلب مواصلة الاجتهاد الفردي والجمعي والمؤسسي في التفكر في الآيات وتدبرها، والتأمل في السياق القرآني بحسب ترتيب النزول، وكذلك إدراك المعنى المشترك للكلمة الواحدة المتكررة في أكثر من موضع، من أجل فهم أعمق ومتجدد للذكر المحفوظ.

لذا؛ فإن جميع الاجتهادات السابقة لفهم القرآن الكريم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكل المؤلفات المتداولة من كتب التفاسير منذ القرن الثاني الهجري، يجب ألا تكون مبررا لمصادرة الحق في بذل المحاولة ومواصلة الاجتهاد الشخصي لفهم القرآن الكريم؛ لأنها مهمة أصيلة لكل مسلم، وعملية باقية ومتصلة ينبغي ألا تسقط بتقادم الزمن، ولا تتوقف بتعدد وتنوع كتب التفاسير، تجسيدا للمعتقد الثابت بأن القرآن الكريم هو الكتاب الإلهي الصالح بتجدد الحال والزمان والمكان.

أما الإصرار على فهم القرآن الكريم من خلال محتوى كتب التفسير؛ التي تم تأليفها فيما مضى من أحوال وأزمنة، إنما هي في رأيي عملية هدم ونفي للصفة الأصيلة والملازمة للقرآن الكريم، وهي صلاحية المحتوى والخطاب لكل زمان ومكان، لأن المسلم اليوم يعيش في ظروف تختلف وبشكل تام عن الأحوال التي ألفت فيها معظم التفاسير، إن لم تكن جميعها، خاصة مع التوقف شبه التام للاجتهاد في فهم القرآن، والاعتماد على ما سبق تأليفه من تفاسير، مع الاكتفاء فقط بالتحقيق وتخريج المرويات والأقوال والآراء المعتمد عليها في تفسير كلام الله المنزل بلسان عربي مبين.

وللوصول إلى فهم أفضل للقرآن الكريم؛ ينبغي إزالة صفة القدسية التي منحت التفاسير حماية من كل محاولة للمراجعة والنقد، وإزاحة كل كتاب للتفسير يضم فهما نتج عن ظروف تعود لأزمنة ماضية، ومرتبط بأحوال سابقة، وطرق مختلفة لإنتاج المعرفة، ومناهج قديمة للبحث والتأليف، ومن ثم البدء في فهم القرآن بالقرآن أولا، وباللسان العربي ثانيا، مع الأخذ بعين الاعتبار تراتبية نزول الوحي زمنيا وموقعه المكاني، وكذلك الاستناد إلى النهج البياني في إدراك المعنى القرآني.

ما سبق مهم جدا كخطوة تمهيدية لإتاحة الفرصة لكل مسلم لتلاوة القرآن الكريم وقراءته بتمعن، والتدبر والتفكر في السور والآيات القرآنية مرتبة بحسب زمن النزول، والبحث والتأمل في المعنى والمبنى والبيان، لفهم الخطاب القرآني بحسب الأحوال والظروف التي يعيشها اليوم، وبعقلية متحررة من جميع حمولات كتب التفسير، التي لربما كانت مناسبة للقرون السابقة، ولكنها بالتأكيد ليست صالحة للعصر الحالي.

وفي الوقت الراهن؛ حيث تتيح لنا التقنية والرقمنة قدرات هائلة وإمكانات ضخمة لم تتوفر لمن كان قبلنا، فينبغي التفكير في توفير نسخة الكترونية من القرآن الكريم مرتب زمنيا، بحسب نزول الآيات والسور الكاملة، مع تحديد مكان النزول، حتى يسهل على المتدبر للقرآن والمتفكر في آياته، الحصول على تصور شامل للفترة التي شهدت نزول الوحي، منذ بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام - وحتى وفاته، واستيعاب العلاقة بين الآيات، وإدراك سياق المفردات والمعاني المشتركة، لبلوغ مستوى أفضل من الفهم للقرآن الحكيم.

shakerabutaleb@