سليمان الهويسين

مدربي الذي احترمته أكثر

الجمعة - 16 أبريل 2021

Fri - 16 Apr 2021

لم يكن (مدرب اللياقة) كـ(وظيفة) قضية تتمتع بأي اهتمام لدي، ولم أكن أعتقد أنني يوما ما سأخصص وقتا للحديث مع أصحابها، أو أن أُولي الاهتمام بما يقولونه لي حول مجالهم -لابتعادي عنه بالكلية-، هذا فضلا عن أن أستمع لنصائحهم وتوجيهاتهم، وأصغي سمعي لهم وأستجمع تركيزي لحديثهم.

‏نحن عادة عندما لا نهتم بالآخرين؛ بسبب أننا لا نشعر بحقيقة قيمتهم -في حياتنا على الأقل-، لكن بمجرد أن ينكشف لنا مقدار ما يمتلكونه؛ ستتغير نظرتنا لهم، وخصوصا حينما يكون هذا الذي يمتلكونه يمثل احتياجا لنا، فحينها ستكون نظرتنا مختلفة تماما، إنها ستكون نظرة احتياج، بل نظرة إكبار واقتداء، أيا كان هذا الذي يمتلكونه، سواء كان علما ومعرفة، ‏أو قدرة ومهارة، أو علاقات وتأثيرا ووجاهة، أو دعما ومساندة نفسية، أو روحية، أو صحية، أو مادية، أو غيرها.

فبمجرد أن ندرك امتلاكهم لهذا الشيء -في ظل افتقادنا له-؛ سينكشف مقدار البون بين ما نحن عليه وما هم عليه. وحينها سننتبه لمقدار الفرق الذي يفصل بيننا في هذا المضمار، وسننظر لهم باهتمام وانتباه.

ثم سنعرف صعوبة الانتقال الذي قاموا به ومقدار ما بذلوا لقطع هذه المسافة حتى يصلوا إلى هذه المكانة. وحينها سنظهر لهم الاحترام والإعجاب والإكبار والتقدير.

ثم سندرك مقدار حاجتنا لمساعدتهم إيانا؛ لنتمكن من الوصول إلى ما وصلوا إليه، ‏وسنمد لهم أيدينا ناشدين المساعدة والإعانة والإرشاد والتوجيه والنصح، حتى نقطع هذه الرحلة ونجتاز هذا التحدي. مما سيجعلنا نسمع لهم، ونهتم بما يصدر عنهم، ‏ونجتهد في السير على منوالهم.

وهكذا دواليك في كل قضية حياتية أخرى لم تكن تحظى باهتمامنا؛ ثم تتكشف لنا حقيقة قيمتها في حياتنا. ‏وهذا يفسر ما نجده من عدم اكتراث العوام بمن حولهم من المختصين البارعين في تخصصاتهم، وأيضا يشرح لنا بالمقابل ما نراه من حفاوة المريدين لشيوخهم والطلبة لأساتذتهم خلال رحلتهم العلمية.

الأمر الذي ينطبق على كل شأن من شؤون الحياة وفي كل مجال من مجالات المعرفة.

وهذا هو ما حصل لي حينما بدأت رحلة الاهتمام بالصحة والانضمام إلى عالم الرياضة وممارسة التمارين في النادي، إذ انكشف لي بجلاء حقيقة واقعي اللياقي والصحي، ومقدار ما يحتاجه من ترميم وإصلاح، وما شاهدته ووقفت عليه من الحال الذي يرفل به مدربنا الموقر ورفاقه الرياضيون أمدهم الله بالصحة والعافية.

عندما قاسيت الأمرين في القيام بتمارين وجدتها قاسية ومجهدة وكانت بالنسبة لهم شيئا لا يستحق الذكر، وأدركت بيقين طول وصعوبة رحلتي للوصول إلى ما وصلوا إليه. وهو ما أوقد فيَّ شرارة التحدي والإصرار للانطلاق في هذا المشوار الخلاب، مستصحبا رؤية متقدة في أعماقي، وهمة عالية تعتمل في صدري، ومرتويا بما يسكبه عليّ مدربي من ‏عبارات التحفيز والحث والتشجيع التي ستكون دافعا بعد توفيق الله للاستمرار والمواصلة في هذه الرحلة حتى بلوغ المراد. وقبل ذلك وبعده وأثناء مستمدا العون من الله تعالى وراجيا منه القبول.

إن الانتباه لقيمة من حولنا أمر يساعدنا على أن نختصر المسافات ونختزل الأوقات ونستثمر الحياة ونحقق الأهداف التي نرجوها. وهو ما لا يتحقق دون أن نعيد صياغة نظرتنا لما نحتاجه بحق، وما يفيدنا بشكل دقيق، وما يساعدنا على صياغة منظومة حياتية متسقة متوازنة ورشيدة.