مرزوق بن تنباك

ليست هذه الكلمة بنت ليلتها

الأربعاء - 14 أبريل 2021

Wed - 14 Apr 2021

من حق الطيبين أن يتفاءلوا وينظروا إلى الأمور نظرة كلها رضا وحب وقناعة، ومن حقهم وحق غيرهم ألا تنغص حياتهم المريحة الهادئة بعواصف الأفكار المزعجة والتوقعات المخيفة، وما أكثر ما يزعج في هذه الأيام ويخيف.

لكن في المقابل فمن حق القلقين أن يعبروا عما يرونه من حولهم وما يحيط بهم من مشكلات ومعضلات لا تخص الأفراد، ولكنها تعم الناس كافة، (الرضا والاطمئنان) وسيلة وراحة مطلوبة يحتاجها المرء؛ ليعيش حياته بلا منغصات، لكن (القلق) هو أيضا وسيلة مشروعة للبحث عن مستقبل مستقر آمن.

والأحوال والظروف هي التي تحدد درجات القلق والاطمئنان عند الناس؛ لذا يكون الأمر غير مرتبط بالشخص القلق ولا ذاك الراضي المطمئن؛ لكنها الأحوال التي تحدد متى نقلق، ولماذا القلق، وهل قلق القلقين مشروع أو متوهم؟ هذا هو الفارق بين الحالين.

إن من ينظر إلى واقع العالم العربي من حولنا يحس بكثير من الخوف على المستقبل للوطن كله مهما حاول البعض تقليل الأخطار ولا سيما في منطقة الخليج العربي التي تتمتع باستقرار نسبي، مما يحدث للدول العربية التي تحيط بالخليج، لا يمكن أن تكون دول الخليج بمنأى عما يحيط بها من مشكلات الدول المجاورة التي بلغت حدا بعيدا من التفكك والفوضى والحروب الطاحنة على كل المستويات، حروب طائفية مقيتة، وحروب قبلية في كل ناحية، وحروب إقليمية مستمرة، ولم يعد هناك دولة تفرض سيادتها وأمنها على أرضها وسكانها، فقد حول الربيع العربي الذي أمطر عليها سحابه إلى فوضى عارمة في كل شيء، ونحن نرى ما يحدث فيها، ونضع أيدينا على قلوبنا خوفا وقلقا عليهم وعلى مصير هذه الشعوب المنكوبة على أيدي بعض أبنائها قبل أعدائها.

في هذه الظروف هل من حقنا نحن في الجزيرة والخليج أن نشعر بشيء غير قليل من القلق؟؛ لأن هذا المحيط الهائج بالفتن والفوضى والاضطراب يحيط بنا ويمتد على حدودنا، ويؤثر في أمننا واستقرار منطقتنا، ولا يمكن إلا أن نبحث عن سبيل يجنبنا ما وصل إليه حال من حولنا، وننظر بالأسباب التي ذهبت بهم جميعا إلى ما ذهبوا إليه، ونعمل على تجنبها وما ذلك إلا بالقضاء على عوامل الفرقة والشحناء والتنازع والاختلاف مهما كان مصدره ومهما كان مبرره.

هذه الشحناء التي تغذي الوسط الاجتماعي بوسائل لا تبررها ولا تقبل بها مثل الاختلاف بالرأي والتصنيف الذي يطلق على هذه الجماعة أو تلك أو إثارة النعرات النفعية والمصالح الشخصية وقبل ذلك وبعده أن يشعر الساسة في الخليج العربي أن اللحمة الوطنية والالتفاف حول شعوبهم والعدل فيهم هو السبيل الذي يجنبنا ما أصاب من حولنا.

لا تظنوا هذه الكلمات التي سبقت بنت ليلتها فقد مضى على مولدها ثماني سنوات عجاف حين نشرت في 1435هـ، ولكن لازال الحال كما ترون قائما ولم يتغير شيء إلى ما هو أفضل منه حتى اليوم، بل قد ساءت الأحوال في بعض الأقطار العربية، والأمر الوحيد الإيجابي أن دول الخليج العربي قد حافظت -ولله الحمد- على استقرارها ونموها وأمنها ولا زالت، ونجت حتى الآن مما أصاب الأقطار العربية المجاورة، ولعل ما يحصل حولنا يكون واعظا لنا وعبرة لكي نزيد الحذر وندرأ الخطر.

Mtenback@