محمد الأحمدي

حتى لا تبيع الجامعة تخصصاتها (3)

الأربعاء - 14 أبريل 2021

Wed - 14 Apr 2021

يؤدي حصر مهمة الجامعات على المدخلات البشرية دون غيرها من المدخلات إلى تكدس الخريجين، وهذه نتيجة طبيعية للغزارة الإنتاجية ذات الشكل الواحد الذي حقق أهدافا جيدة في تقليل مستوى الأمية، ونشر التعليم في المجتمع فيما مضى؛ ولكن في السياق الحالي للمملكة فإن هذه الأهداف تغيرت، وأصبحت تتجه نحو تجويد المخرجات، والتركيز على النوعية، وتعدد مصادر المدخلات الجامعية بدلا من التركيز على مدخل واحد تمثل سابقا في الطلاب، وبدأ صاحب القرار يلحظ ظاهرة تكدس الخريجين، مما دعاه إلى إيقاف ذلك التوجه، واستحداث قوى توظيفية متعددة لمعالجة هذه الظاهرة.

على العموم، مجتمعنا ليس بغريب على ظاهرة تكدس الخريجين في تخصصات مختلفة عندما تراخت الجامعات في مسألة تطوير برامجها الأكاديمية، وتحسين مخرجاتها البشرية، وتنويع مدخلاتها، واعتمادها على الطلب التوظيفي الثابت آنذاك الذي تحولت احتياجاته الوظيفية.

ولذا هذه عبرة قدمها التاريخ للجامعات بأن تنوع مدخلاتها، وتجود مخرجاتها في ظل التنافسية العالمية دون حصر نفسها في متطلبات السوق المحلية، ولتتعامل مع المدخلات أيا كانت على أنها فجوة مستقبلية ترغب أن تقوم بالسيطرة المتميزة عليها في الميدان العالمي وإلا ستبقى محصورة في محيطها. ومن مصلحة المؤسسة التعليمية أن تعبر قوة تأثيرها في مستقبل مليء بالمنافسين.

وهذا يحتاج إلى موازنة مدخلات الجامعة الأخرى التي تؤدي إلى مخرجات مختلفة تمنح لها الديمومة، والقوة التنافسية العالية في المجتمع: كالمعرفة البحثية، والتدريس، والتعلم، والبنية التحتية، والاستثمار في الأصول مما يؤدي إلى تمكين المجتمع من إحداث تغيير إيجابي محلي وإقليمي وعالمي.

فالقوة المعرفية التي تقدمها الجامعة تحقق المساهمة في تقديم الحلول لتحديات المجتمع، والبنية التحتية تحقق بيئة تعلمية متميزة تخدم تجويد المخرجات، والتمويل والاستثمار يعطي قوة اقتصادية؛ لتحقق الجامعة طموحاتها المستقبلية، والمهمة الأخيرة الشراكات التي تدعم رؤية المؤسسة، وتسوق منتجها العلمي في أوسع نطاق.

أما إن بقي الحال مركزا على مهمة واحدة تتمثل في إغراق سوق العمل بالمخرجات البشرية، وغزارة الإنتاج من الكليات والجامعات التي تتشابه مخرجاتها عبر السنين دون تحديث لمهارات الخريجين فعندئذ ستموت البرامج، وتتعثر المؤسسة، ويتدخل صاحب القرار السياسي لإيقاف هذا الخط الإنتاجي، ويتخلى الممول المالي عن الدعم، وتعزف جهات التوظيف عن المخرجات.

وهذا ملموس عندما قل احتياج وزارة التعليم التوظيفي للمعلمين والمعلمات عن السابق، بعدما حققت الوزارة هدف الدولة في إدخال التعليم لجميع أفراد المجتمع، وتحولت نحو التركز على الجودة النوعية في المخرجات باستحداث الكثير من سبل المفاضلة بين الخريجين لاستقطاب الأفضل.

وعلى الرغم من ذلك استمرت الكليات في الإنتاج دون تعديل مسارها في تطوير البرامج الأكاديمية، ورفع جودة العينة المستهدفة كمخرج تعليمي ما أدى إلى إيقاف خط الإنتاج الذي لم يعد له طلب في جهات التوظيف سواء بتطور حاجات راغب التوظيف، أو ارتفاع متطلباته التي لم تعد متوفرة في مصنع الإنتاج أو بدخول منتجات أكثر كفاءة، وأعلى قدرة في السوق الأكاديمية المفتوحة.

ماذا لو استبقت المؤسسات الأكاديمية بقوتها العلمية، وكفاءة منسوبيها، في تطوير منظومة الخريجين بما يتوافق مع المجال العالمي لهذه المهنة قبل انتظار القدر المحتوم، بتطوير البرامج الأكاديمية، وبناء الخطط التعليمية الموجهة لحل هذه المشكلة، وتطوير قاعدة بيانات تراكمية للتقييم بعيد المدى للخريجين، وتفعيل الاستفادة منها في تطوير البرامج الأكاديمية قبل عزوف المستفيد عن مخرجاتها التعليمية.

فكما تنفق الشركات المليارات على تطوير منتجاتها بالبحث والابتكار فعلى الجامعات إنفاق جهودها في التطوير، واستباق عجلة سوق العمل في تقديم الكفاءات وإلا سيهاجر للبحث عن كفاءات أخرى. وحتى الحجة التي تشير إلى روتينية النظام، وصعوبة التغيير فإنني أقول بوضوح بأن صاحب القرار العالي مرن في اتخاذه، إذا قدمت له الأدلة المنطقية الواضحة في خدمة المجتمع، ومستقبل الأجيال، ولن يتردد في دعم المؤسسة التي تتبنى رؤية استباقية مدروسة بالمنهج العلمي الذي تجيده المؤسسات الأكاديمية.

وعلى هذا يكون للمؤسسة الأكاديمية دور بارز في تنوير متخذي القرارات، وصناع السياسة، في صناعة الثورة التعليمية، واستمرارية الابتكار التخطيطي، والتحديث المستمر لهذا المجال الحيوي في حياة المجتمعات، ويعزز الثقة في المؤسسات الأكاديمية بأنها تلعب الدور الصحيح في تنمية المجتمع، وتشكيل قدراته، وقيمه، وتلبي حاجاته.

alahmadim2010@