عبدالحليم البراك

قتال من أجل الصباح!

الاثنين - 12 أبريل 2021

Mon - 12 Apr 2021

يقول الدكتور فيصل الخميس، لو يعلم الناس ما في الصباح من خير وجمال لزاحمونا عليه، وهو يشير إلى جمالية الصباح مقارنة بالأوقات الأخرى، لكن الغريب جدا أن الناس تهجر هذا الصباح وتستبدله بسهر الليلي المضني، والقصة تبدأ بأن الإنسان مولع بالليل أكثر من ولعه بالنهار رغم أن الصباح هو قمة النشاط، فإن أردت أن تنجز عملا فعليك بالصباح الباكر، ففي تلك اللحظات تشعر بأن الوقت في الصباح لا ينتهي، وكأنه خلق حتى لا يكون له نهاية، بل إن نشاط الإنسان في الليل في أقل حالاته، وأحسن حالاته هو الصباح الباكر، فنشاط الإنسان شرط في التركيز والعمل فما بالك إن كان بعد وجبة نوم هانئة ومبكرة ليلا.

الناس لا تزاحمك على الصباح، فالمتاجر المفتوحة خالية، فالتسوق - إن وجدت من يفتح في هذا الوقت- هو أفضل الأوقات على الإطلاق، فالبائع مبتسم، والشاري مبتسم، والقادم مبتسم، والذاهب مبتسم، وكلهم يقولون: يا صباح الله خير، ومعه (الحلوة قامت تعجن في البدرية) وتغني الديكة (كوكو في الفجرية) والناس على باب الله (والجيب ما فيه ولا مليم).

الصباح هو سر الهرمون المسؤول عن الفهم والإدراك، وفيه جعلت الدراسة في الصباح؛ لأن التلاميذ تفهم في الصباح ما لا تستطيع استيعابه في المساء، فإذا استعصت عليك مسألة، فدعها حتى تصحو من نومك، فإن أفقت، فبعد قهوتك، تناول أصعب المسائل، ستجد أنك في أقوى حالات فهمك وإدراكك.

الصباح لا يزاحمك عليه أحد، فالسهارى إن وجدوا منهكين، والمستجدون عن المتعة الصباحية ستجدهم في سررهم يتمططون، يستجدون النوم عدة مرات أن يعود، وكأنهم لا يرغبون في الاستيقاظ، فهم يصحون قبل أعمالهم بدقائق، أو قبل أهدافهم بوقت قصير، فهم في حياتهم يركضون، يلهثون، لكنك أنت يا من صحوت مبكرا، وشربت قهوتك مبكرا، وجلست تفكر ما تفعل، وترتب يومك ستجد أن الساعات تمنحك صفاء لا يتكرر فأسياد الوقت هم أسياد الصباح.

الصحو في الصباح ليس سهلا، لكن لمن ذاق جماله يبدو في أحلى حالاته، فأنت تستمتع بكل شيء وإلا لما كان صحو العصافير في الصباح تبحث عن رزقها في صباحتها تملأ الأشجار بضجيج يحبه السامع؛ حتى إذا جاء الليل جاء الهدوء فيكون الجواب: هي الفطرة!

الغريب جدا أن الصباح هو للذين ينتمون لأنفسهم، ويحبون أن يجلسوا مع أنفسهم كثيرا، ويحبون أن تخلو أرواحهم مع ذواتهم، فلا الأجهزة الذكية تتبادل الرسائل، ولا الهواتف ترن، ولا أحد يبحث عنك، بل أنت تبحث عن نفسك، فهذا الوقت ملكك، لك وحدك لا يشاركك فيه أحد، ولا يزاحمك فيه إلا كسلك لو حدثتك نفسك الأمارة بالسوء أن تنام في ألذ ساعات اليوم.

الصباح تمرين صعب وطويل على المتعة، فليس سهلا أن تصحو كل يوم قبل موعد صحوك بساعات، وتبحث في داخل نفسك ترتبها في الداخل، وتعد قهوتك بنفسك، فتقرأ كتابا كنت تبحث عن وقت لقراءته، أو تنصت لنص صوتي تتمنى أن يصفي لك الوقت والذهن لاستماعه أو أن تكون في وقت لا يقاطعك فيه أحد لتنجز أحد أعمالك المتأخرة.

اعتنوا بالصباح ولا تخبروا فيه أحدا فيزاحموكم فيه!

Halemalbaarrak@