نمر السحيمي

تطبيقات السياسة الداخلية في رؤية المملكة 2030

السبت - 10 أبريل 2021

Sat - 10 Apr 2021

حينما يكون الوطن جسدا واحدا والإنسان عضوا من أعضاء هذا الجسد سيكون هاجس (عقله المفكر) الذي تمثله قيادته الرشيدة هو سلامة مجموع هذا الجسد وصلاحه ورقيه.

ولقد اهتمت المملكة بالمواطن منذ تأسيسها وجعلته محور التنمية حتى استطاعت قيادتها أن ترسم رؤية جادة يسبقها تحول وطني نحو الأفضل.

وفي سني التحول الجاد نحو رؤية المملكة 2030 تبقى السياسة الداخلية موضوعا رحبا وساحة واسعة للبحث في دور هذه السياسة للوصول إلى تحقق ناجح لأهداف الرؤية المباركة التي سخرت لها الدولة كل إمكانياتها.

وإن المخططات المعتمدة للرؤية تعبر بخطوطها العريضة عن السياسة الداخلية للمملكة مما ينبئ بجودة عالية في إحكام صياغة هذه المخططات وجودة طرق تنفيذها من خلال برامج ومشاريع التحول الوطني.

ولا يتطرق الشك في دور مجلسي الشؤون الاقتصادية والتنمية وتوْأمه مجلس الشؤون السياسية والأمنية في إحكام مخططات الرؤية وإجراء الدراسات والأبحاث العلمية العميقة من أجلها.

كما لا يتطرق الشك في دور القيادة الحكيمة ووزراء الحكومة في بذل كل غال ونفيس لإنجاح هذه الرؤية برعاية التحول الوطني والبرامج والمشاريع الجادة للوصول بالمملكة إلى مستقبل أكثر إشراقا لتؤدي دورها في إعمار الأرض مع دول العالم الشقيقة والصديقة، ولتكون بإذن الله اللؤلؤة المضيئة النافعة لكل البشرية، والقدوة لكل أبناء الإنسانية.

وإذا تأكد للجميع جودة مخطط الرؤية وجودة تطبيق التحول الوطني لها من خلال برامجها ومشاريعها لا بد للباحث أن يستطلع ميدانين لبيئتين يشكلان قاعدتين للرؤية هما:

أولا: ميدان بيئة التطبيق المجتمعية: وأقصد بها المجتمع السعودي؛ وهو مجتمع ذو أساس متين، ويهتدي بالوحيين الأصيلين الكتاب والسنة؛ وهما الهاديان إلى البيعة لولي الأمر واعتبار هذه البيعة أمانة يتوارثها السلف عن الخلف، ثم تبنى على هذه البيعة الطاعة في المنشط والمكره لولي الأمر وإعانته والدعاء له..؛ هذه المضامين الأساسية في المجتمع السعودي ميزته بثقته الكاملة بقيادته، مما جعل التحول الوطني نحو رؤية المملكة 2030 يسير في بيئة مؤمنة بوسطية الإسلام وشموليته وعدم تعارضه مع كل ما فيه سعادة الإنسان، كما أنه يسير في بيئة واثقة بحكمة قيادتها واتساع فهم هذه القيادة لظروف الحاضر والمستقبل.

ثانيا: ميدان بيئة التطبيق الخَدَمية: وأقصد بها المؤسسات المباشرة لخدمة المجتمع السعودي وهي البيئة الوسط بين المخطط للرؤية وهي (القيادة ومؤسساتها العليا) وبين المستفيد منها وهو (الشعب).

وفي هذا المقال سأستعرض مجالين من مجالات بيئة تطبيق الخدمة ما سيتضح منه دور هذه البيئة وتأثيرها في برنامج التحول الوطني نحو رؤية المملكة 2030 بل وفي كل مشاريع الرؤية وبرامجها؛ وهذان المجالان هما:

1 - مجال العدالة: ففي القضاء قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «إن المملكة العربية السعودية تسير وفق خطوات جادة في السنوات الأخيرة نحو تطوير البيئة التشريعية، من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقق التنمية الشاملة، وتعزز تنافسية المملكة عالميا من خلال مرجعيات مؤسسية إجرائية وموضوعية واضحةٍ ومحددة». وقال «إن عدم وجود هذه التشريعات أدى إلى تباين في الأحكام وعدم وضوح في القواعد الحاكمة للوقائع والممارسات، ما أدى لطول أمد التقاضي الذي لا يستند إلى نصوص نظامية، علاوة على ما سببه ذلك من عدم وجود إطار قانوني واضح للأفراد وقطاع الأعمال في بناء التزاماتهم»، وأضاف «لقد كان ذلك مؤلما للعديد من الأفراد والأسر، لا سيما للمرأة، ومكن البعض من التنصل من مسؤولياته، الأمر الذي لن يتكرر في حال إقرار هذه الأنظمة وفق الإجراءات النظامية».

ثم أعلن عن مشروعات الأنظمة القضائية وقال «إن مشروع نظام الأحوال الشخصية، ومشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ومشروع نظام الإثبات، ستمثل موجة جديدة من الإصلاحات، التي ستسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوحَ حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام».

هذه التصريحات من ولي العهد تؤكد حجم التحول الذي سيشهده مرفقنا العدلـي نحو وصول موفق لرؤية بلادنا كما خططت لها القيادة الرشيدة..؛ إلا أنني ومن منطلق الحرص على تسديد برامج ومشاريع هذا التحول في هذا المرفق المهم أتساءل هل البيئة الحالية في هذا المرفق ستجاري هذا التحول الإيجابي وترتقي بجودة الخدمة العدلية كما أرادت لها القيادة؟ من وجهة نظري أنه لا بد من تحول يتمثل في مجلس قيادي رفيع محايد يملك القرار السيادي لذات التخصص؛ لتصحيح أي خطأ له تأثير استراتيجي في هذا المرفق، وهو جانب تكميلي لا بد منه خصوصا في سني التحول التي نتطلع فيها إلى تغير نظرة أفراد المجتمع إلى المؤسسة العدلية من النظرة السابقة التي ترى هذه المؤسسة ذات طيف مناطقي في غالبه إلى نظرة إيجابية ترى هذه المؤسسة مؤسسة وطنية متكاملة في بحوثها ودراساتها، تعج قاعاتها العدلية بالطاقات الوطنية المؤهلة المتخمة بالخبرة والعلم والنزاهة من كل جهات المملكة ومناطقها الثلاث عشرة، وهي نظرة لا يمكن الوصول لها بغير مجلس محايد معني في ذات الخدمة ومتخصص في علوم المستقبليات والتغيير وله قراره السيادي.

2 - مجال العلم والفكر: وقد جاء نظام الجامعات الجديد ليعبر عن حجم التحول الذي ستشهده الجامعات، لكن يستمر التساؤل هل البيئة الحالية في الجامعات ستجاري هذا التحول الإيجابي، وترتقي بجودة الخدمة ومخرجاتها؟ وللإجابة على هذا التساؤل أقول «إن الناظر في نظام الجامعات يستبين أن النظام عالج البيئة الخدمية في الجامعات بتحويل كوادرها إلى نظام العمل التعاقدي وهو نظام سيمتحن ويبتلي الكثيرين ممن أرهقوا الجامعات بوجودهم دون فائدة ما يؤكد أن معالجة المخطط للرؤية لبيئة العمل في الجامعات هي معالجة صحيحة ستؤتي أكلها..؛ لكنني أعيد ما اقترحته للمرفق السابق بأنه لا بد من تحول يتمثل في مجلس قيادي رفيع محايد يملك القرار السيادي لذات التخصص لتصحيح أي خطأ له أثر استراتيجي في هذا القطاع، لنضمن سلامة الخدمة ومقدمها؛ وهو الأمر الذي لم يتطرق إليه نظام الجامعات الجديد، وذلك جانب تكميلي لا بد منه»؛ قلت ذلك وأنا أنظر لسعة الصلاحيات التي منحها نظام الجامعات الجديد لقيادات الجامعات ومجالسها دون أن يوجد في النظام ما يفحص هذه البيئة القيادية ومدى قدرتها على تحمل المسؤوليات الكبيرة التي كلفت بها الدولة هذه الجامعات، وحجم الأمانة التي سلّمتها الدولة لهم في مجال الحفاظ على سلامة عقول وأفكار أبنائنا ليكونوا أعضاء صالحين في جسد الوطن.

وإن المجالس القيادية الرفيعة التي تحدثت عن أهمية وجودها خارج إطار المرفق العدلـي وقطاع الجامعات أو غيرهما من المرافق والقطاعات يجب أن نراها في سني التحول الوطني لضبط المسار المستقبلي ضمانا لبناء يقوم حاضره ومستقبله على قوة لا خطأ في أساسها، ولا تتعارض هذه المجالس المتخصصة في علوم المستقبليات والتغيير مع المجالس التخصصية الفنية العليا لهذا المرفق أو ذلك القطاع؛ فهناك فرق كبير بين مجالس تملك القرار السيادي لتغيير خطأ ذي أثر استراتيجي مستقبلي وبين مجالس فنية تخصصية لا تملك تغيير هذا الخطأ وهي تراه رؤيا العين؛ لأن رؤية المملكة 2030 ذات شفافية لا مكان فيها لخطأ يكشفه المجهر؛ فكيف بخطأ تراه الأعين كجبل طويق؛ (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ).

alsuhaimi_ksa@