عمر السعدون

التورق المصرفي المنظم بين المجامع الفقهية والهيئات الشرعية

السبت - 10 أبريل 2021

Sat - 10 Apr 2021

إن التورق المصرفي المنظم هو فرع من التورق الفقهي الفردي، الذي ذكره فقهاء الحنابلة في كتبهم بهذا الاسم (التورق)، قال الإمام البهوتي «لو احتاج إنسان إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بمائة وخمسين، فلا بأس بذلك نص عليه، وهذه المسألة تسمى (مسألة التورق)، من الورق وهو الفضة، لأن مشتري السلعة يبيع بها».

والأصل فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا) أخرجه البخاري.

وتعريف التورق اصطلاحا عند الحنابلة «أن يشتري المرء سلعة نسيئة، ثم يبيعها نقدا لغير البائع بأقل مما اشتراها به، ليحصل بذلك على النقد».

وصورة التورق مذكورة في كتب فقهاء الشافعية باسم (الزرنقة).

أما بقية المذاهب الفقهية فقد عرفوا هذه المسألة وتكلموا على حكمها في معرض حديثهم عن (ربا العينة) وبيوع الآجال، ولكن دون اسم خاص لها.

ويطلق أيضا عليها اسم (الدينة) في بعض مناطق المملكة العربية السعودية، وقد أفتى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بجوازها على المشهور في المذهب.

واختلف العلماء في حكم بيع التورق على ثلاثة أقوال:

القول الأول: الجواز، وهو مذهب الحنفية والمشهور من مذهب المالكية ومذهب الشافعية والحنابلة في المشهور.

القول الثاني: الكراهة، وهو قول عند الحنفية وقول عند المالكية ورواية عند الحنابلة اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية في أحد قوليه.

القول الثالث: التحريم، وهو رواية عند الحنابلة اختارها ابن تيمية في أشهر أقواله وتلميذه ابن القيم.

والراجح بين هذه الأقوال هو جواز التورق الفقهي الفردي، لأن الأصل في المعاملات الإباحة ولا دليل للمنع، ولحديث (بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا) أخرجه البخاري، وأيضا لتحقق المصلحة فيه لعموم الناس، ويعتبر حلا وبديلا شرعيا عن الربا المحرم. وهذا ما عليه جماهير العلماء المعاصرين.

وأنواع التورق المعاصرة هي: الأول: التورق الفقهي (الفردي)، الثاني: التورق المصرفي البسيط ، وهو مثل التورق الفقهي في حكمه وتابع له.

الثالث: التورق المصرفي (المنظم) و(التورق العكسي): وهذا الذي يحتاج بيانا وإيضاحا.

وتعريفه كما جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي الدولي هو «قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة)، من أسواق السلع العالمية أوغيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق».

وفي هذا البيع (التورق المصرفي المنظم) و(التورق العكسي)، وقع خلاف بين المجامع الفقهية من جهة، والهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية والمجالس الشرعية المتخصصة في المعاملات المالية المصرفية من جهة أخرى على قولين:

القول الأول: تحريم التورق المصرفي (المنظم)، ويرون أن هذا البيع صوري وهو تحايل على الربا، فليست السلعة مملوكة ولا معينة وأيضا يتم بيعها مرة أخرى على البائع الأول وهذا هو (ربا العينة). وهذا قرار المجمع الفقهي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي وقرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي.

القول الثاني: جواز التورق المصرفي (المنظم)، (والتورق العكسي) بضوابط وشروط يجب تحققها في كل عقد وهي:

تعيين السلعة، وتحقق الملك لها قبل البيع، والقدرة على قبضها والتصرف فيها، وعلى أن يتولى العميل بيع السلع على المصرف بنفسه بحيث لا يتولى المصرف طرفي العقد، وألا يبيع السلعة مرة أخرى للبائع الأول ابتعادا عن (ربا العينة)، وأن تكون السلعة في ضمان المشتري، وهذا رأي الهيئات الشرعية للبنوك الإسلامية المتخصصة في المعاملات المالية المصرفية المعاصرة وعلى رأسها الهيئة الشريعة لمصرف الراجحي والهيئة الشرعية لبنك البلاد، وأيضا هو رأي المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية والإسلامية (أيوفي) ومقرها البحرين، ووضعته ضمن المعايير الشرعية للمعاملات المصرفية الصادرة منها، وأيضا المجلس الشرعي للسوق المالية وعدد من العلماء.

والراجح والله أعلم هو القول الثاني: القائل بالجواز بعد التحقق من وجود شروط هذا البيع المذكورة سابقا، فإذا تحققت الشروط جاز البيع، وتحقق هذه الشروط ممكن شرعا وعقلا وواقعا من خلال عدد من التعاملات السليمة، ومنها ما هو موجود من تعاملات التورق في سوق الأسهم السعودية، وهذا من أوضح وأسلم التعاملات شرعيا، ومنها أيضا ما يكون في (بورصة زيت النخيل في ماليزيا) على سبيل المثال، كما ذكر ذلك العالم الجليل أ.د. يوسف الشبيلي، حيث اطلع على حقيقة وواقع أنشطة وتعاملات بعض البورصات العالمية، ومنها (بورصة زيت النخيل في ماليزيا) وخرج بشرعية تعاملات بورصة ماليزيا وتحقيقها للشروط والضوابط الشرعية في هذا الاستثمار والتورق المصرفي المنظم والتورق العكسي السليم والمنضبط شرعا، علما أن المانعين لهذا البيع إنما يخافون من عدم تحقق الشروط الشرعية لهذا البيع، كما يجدونه في كثير من التعاملات والمبايعات في البورصات العالمية، ومنها (بورصة لندن للمعادن) التي هي عبارة عن سوق مغلقة يوجد بها البيع على المكشوف وهذا بيع ما لا تملك ولا يجوز شرعا، ويوجد فيها البيع على البائع الأول وهذا من (ربا العينة)، وبعض صور البيع الصوري، ولذلك وجب على الدول الإسلامية إنشاء بورصات عالمية مفتوحة تحقق هذه الشروط الشرعية وتدقق فيها وتضبطها للوصول إلى اقتصاد إسلامي سليم.

أسوة (ببورصة زيت النخيل في ماليزيا)، وهذا ما دعا كثيرا من البنوك السعودية الإسلامية أو ذات النوافذ الإسلامية لتوقيع اتفاقيات مع (بورصة ماليزيا)، والحقيقة نتمنى أن يتولى البنك المركزي السعودي (إنشاء بورصة سعودية) تكون خاصة بالمنتجات النفطية أو البتروكيميائية وتداولها لتمويل المشاريع والشركات الكبرى، وبضوابط شرعية موافقة لما صدر من البنك المركزي السعودي عام 1441هـ فيما يسمى (الإطار النظري لحوكمة البنوك المحلية لموافقة تعاملاتها مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية).