خليل الشريف

الحاسة السادسة

الخميس - 08 أبريل 2021

Thu - 08 Apr 2021

مما هو مؤكد عند علماء النفس أن كل شخص يملك حواسا خفية موازية للحواس العادية الملموسة، على سبيل المثال يمكنك أن تأخذ قنينة عطر وتشم رائحتها عبر حاسة الشم، بينما يمكنك أن تشم رائحة عطر غير موجودة من خلال الاعتماد على حاسة تذكرية خفية لديك موازية لحالة الشم. وحيث إن هذه القدرة على إدراك الحواس الخفية لا يستشعرها الجميع لكنها موجودة عند كل الناس وبحاجة لتفعيل قبل أن يتمكنوا من استخدامها. فمما لا شك فيه أن هناك من طور هذه الحاسة الداخلية لديه من خلال استراتيجيات كثيرة ومتعددة أهمها الخروج من دائرة ما يسميه علماء النفس (الإيجو)، حيث يتقوقع عدد كبير من الناس داخل نظرة زائفة عن ذواتهم تجعلهم لا يفهمون أنفسهم بالشكل الحقيقي المتوازن.

فأصحاب القدرة على ما يسمى مجازا «الحاسة السادسة» هم أكثر الناس شفافية وإحساسا مرهفا قادرا على الشعور بالروح وتجلياتها وإمكاناتها غير المحدودة بالزمان والمكان. بينما أصحاب الإحساس المتبلد الذين يتصفون بانتمائهم الشديد للجسد المادي وتلبية رغباته بشكل هستيري والذين عادة ما يعانون الشرود وضعف التركيز. فهذه الحاسة معطلة بالنسبة لهم حتى يستطيعوا من جديد الخروج من (الإيجو) المحبوسين داخله والشعور المتوازن تجاه ذواتهم وتجاه الحياة بشكل عام.

يمكن للحاسة السادسة أن تلتقط إشارات وإشعارات يمتلئ بها الكون والأحداث من حولنا قد تجعلنا ننجح في التنبؤ بالمستقبل. فالمستقبل ليس أمرا يستحيل التنبؤ به، بل على العكس فكثير مما نعايشه من أحداث يومية قد يكون بوابة جلية لرؤية المستقبل. من بين تلك الوسائل التي قد تنجح في ذلك هي الرؤى والأحلام فجميعنا مر بتجربة الحلم بشيء يراه في المستقبل. «وقد اهتم الأقدمون بالأحلام لدرجة أن كل حاكم كان يحيط نفسه بمفسرين ينظرون في الأحلام التي تهم مصير الدولة، وكان أباطرة اليابان يقومون بأنفسهم (بالأحلام المصيرية) في غرفة للأحلام مزودة بسرير خاص يدعى (كامودوكو). وجميعنا يعرف أن فرعون كان يحيط بنفسه بعدد كبير من المفسرين المحترفين رغم عجزهم تفسير حلمين رئيسن غيرا تاريخ مصر القديمة؛ ظهور موسى عليه السلام، والبقرات السبع العجاف» (الأحمدي، 2004).

ومن الوسائل أيضا لتفعيل الحاسة السادسة والتنبؤ بالمستقبل الانتباه للإشارات والمواقف والأحداث التي تمر بالإنسان. فمرورك على سبيل المثال على حادث مروري؛ هذا الأمر ليس من قبيل الصدفة. إنه في غالب الظن رسالة أو إشارة يمكن أن تربطها بحدث سابق أو لاحق؛ إذ لو فكرنا بلغة الأرقام لوجدنا أن عدد الذين مروا ورأوا هذا الحادث المروري يشكلون نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر لعدد البشرية في ذات اللحظة الذين لم يروا ذلك الحادث ولم يمروا عليه. فهو بالأحرى رسالة لتلك الفئة القليلة وإشارة تعطي تصورا لشيء سيحدث أو لن يحدث في المستقبل بالنسبة إليهم.

إن لقاءك بشخص ما، أو موضوع الحديث الذي تسمعه يتكرر من عدة أشخاص ليس بينهم التقاء أو رابط، أو ظهور أحداث لك مفاجئة، أو ارتباط حدث مهم لك بظهور شخص معين في حياتك كل تلك الأمور يتنبه لها أصحاب الإحساس المرهف والقادرين على تشكيل رابط ولو بسيط بين الأمور واستنتاج شيء ما. شيء يدفعهم ليقرروا بناء على إحساس (حين تغيب المعلومات والوقائع الواضحة) أن يتوقفوا عن فعل شيء أو يقدموا عليه. أن يرتبطوا بعلاقة بشخص ما أو يتجنبون تلك العلاقة.

ومن الوسائل المهمة أيضا لكشف حجب المستقبل هو تدبر آيات القرآن الكريم. إن كل قصص القرآن وإشاراته وأحداثه ووقائعه هي رسائل وإشارات لأصحاب القلوب الحية التي تستطيع أن تفهم الرسالة ما بين سطور القرآن وإشاراته الخفية. حيث يتعاملون مع نصوصه وكأنها تخاطبهم شخصيا وتنير لهم معالم الطريق وقد يستشفون من قصصه مآلات قصص حياتهم أنفسهم، ومن لطائف رسائله إشارة لنهايات معاناتهم. إنه كتاب رباني يخاطب الأرواح كما يخاطب العقول.

إن الوسائل لاستشراف المستقبل والحدس نحو القرار الصحيح في مواقف الحياة المختلفة؛ وسائل كثيرة ومتعددة ولن يحيط بها مقال واحد. لكنها بالدرجة الأولى تعتمد أولا ودائما على التخلص من (الإيجو) والتوازن في فهم الذات والحياة، وإعطاء النفس (الروح) الفرصة للظهور والعمل بقدر الفرصة التي نعطيها لأجسادنا المادية والعقلانية في حياتنا. وأن نكون أكثر وعيا وتركيزا بما يدور حولنا من أحداث ومواقف فلا يوجد – حسب اعتقادي الشخصي - في الحياة شيء اسمه الصدفة.