سالم الكتبي

ملالي إيران و«فزاعة» انتخابات يونيو

الأربعاء - 31 مارس 2021

Wed - 31 Mar 2021

بات الاحتمال الأكثر ترجيحا أن يبقى الشد والجذب بين الولايات المتحدة وإيران حتى ما بعد انتهاء انتخابات الرئاسة التي ستحدد من يخلف الرئيس حسن روحاني، وكانت أحدث الإشارات الدالة على ذلك قد جاءت على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي قال إن الجهود الرامية لإحياء المحادثات النووية الإيرانية تواجه صعوبات بسبب مشكلات تكتيكية، والوضع الداخلي في إيران قبيل الانتخابات الرئاسية هناك في يونيو (حزيران)؛ ولم يحدد دريان طبيعة المشكلة التكتيكية لكنه أضاف «في حين أن هناك إرادة معلنة للعودة إلى المحادثات، لا تزال التوترات قائمة، ومن الضروري المضي قدما لتهدئة الوضع».

الوزير الفرنسي قال «نحن نرسل إشارات إلى الإيرانيين حتى نتمكن من العودة (للاتفاق النووي)، وهو ما سيكون مقدمة لنقاش أوسع يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بشأن زعزعة الاستقرار الإقليمي وكذلك قدرات إيران الصاروخية... العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة هي مجرد نقطة البداية»، والحديث إلى هنا يبدو منطقيا، ولكن واقع الأمور في الحقيقة لا يبدو كذلك، فالملالي رفضوا مقترحا أوروبيا بالجلوس على مائدة التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل البحث في معضلة العودة للاتفاق النووي، ويراهنون على الضغط النفسي الناجم عن التقديرات والتقارير الاستخباراتية المتوالية التي تحذر من اقترابهم من حافة امتلاك قنبلة نووية.

هناك تقديرات استخباراتية تتوقع التوصل إلى اتفاق يقوم على تقديم تنازلات متبادلة وفق تكتيك قائم على «خطوة مقابل خطوة»، بمعنى استبعاد فكرة عودة أي من الطرفين بشكل تام إلى المربع الأول، ولكن تجزئة هذه العودة إلى خطوات متوازية بحيث يعود الملالي مثلا إلى التزام جزئي بالتزاماتهم الواردة في الاتفاق النووي مقابل خفض جزئي للعقوبات الأمريكية وهكذا، وتحسبا لهذه الصيغة يسارع الملالي حاليا في انتهاك هذه الالتزامات كي يحصلوا على مقابل أكبر لكل تراجع عن هذه الانتهاكات المتزايدة، ويرفعون سقف القلق الغربي بالتلويح بالمزيد من الإجراءات في المستقبل القريب!

ويبدو أنه إمعانا في إرباك الدوائر الاستخباراتية والسياسية الغربية، التي تراقب المشهد الإيراني بدقة شديدة، وبالتأكيد تعرف جيدا لعبة توزيع الأدوار التي يمارسها الملالي، اتجه النظام الإيراني مؤخرا إلى تسريب المواقف عبر «مصدر رفض ذكر اسمه» مع أن هذه الصيغة غير مألوفة تماما في أدبيات الملالي، وهذا المصدر الذي وصف بأنه مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، خرج مؤخرا عبر مصدر إعلامي إيراني ليهدد بأنه إذا لم ترفع العقوبات الأمريكية فإن طهران ستتخذ المزيد من الإجراءات في المستقبل القريب، وأن أي مقترح لا يتوافق مع سياسة طهران المعلنة لن يكون أساسا للتعامل معها، مشيرا إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على اقتراح لا ينطبق مع الشروط التي حددها المرشد الإيراني علي خامنئي، وكان يعني في هذه النقطة رفض المرشد مبدئيا لمقترح العودة للاتفاق النووي وفق مقترح «الخطوة مقابل خطوة».

قد يبدو أن هناك مؤشرات انقسام إيراني حول التعاطي مع المحاولات الأمريكية للعودة للاتفاق، فإدارة الرئيس روحاني تحاول الدفع باتجاه رفع العقوبات الأمريكية قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية لإضعاف فرص المتشددين في الفوز بهذه الانتخابات، ولذلك يقول محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إن الإدارة الأمريكية عليها أن تسرع في خطواتها بشأن إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وإلا قد تجد نفسها في مفاوضات مع إدارة إيرانية جديدة بعد أشهر معدودة. وعلى الجانب الآخر نجد تسريبات كالتي سبقت الإشارة إليها تتحدث عن رفض الحلول الدبلوماسية الوسط التي يطرحها الجانب الأوروبي لالتقاء الطرفين في منتصف الطريق.

قناعتي شخصيا أنه لا انقسام حقيقي بشأن هذه المسألة في دوائر الملالي العليا، فالقول الفصل بيد المرشد، ولا يستطيع الرئيس روحاني أو غيره من المسؤولين مخالفة تعليماته في ملفات السياسة الخارجية، ولكن ما يحدث هو استمرار في تصدير فكرة «الطيب والشرس» في السياسة الإيرانية، أو الإصلاحيين والمتشددين، باعتبارها الفكرة التي نجح الملالي في تسويقها للعالم، ويوظفونها في انتزاع ما يريدون من تنازلات.

والمؤكد أن الرئيس روحاني لا يستطيع تقديم أي تنازلات في هذه الفترة من دون الحصول على ضوء أخضر من المرشد الأعلى، وبالتالي فالرهان كله يتجه للإيحاء بوجود انقسام وصراعات من أجل إسقاط الجانب الأمريكي في «الشرك الخداعي» كي يبادر برفع العقوبات وتقديم التنازلات ظنا منه أن ذلك يحول دون وصول المتشددين للسلطة في إيران، ولكن الهدف الأكبر للملالي من وراء ذلك هو إنجاح الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يخشى النظام حدوث عزوف من الناخبين عن المشاركة، وهو النظام الذي يضع كل رهاناته ويستمد قوته أمام العالم من المشاركة الشعبية للناخب الإيراني، وبالتالي فالمرشد ليس معنيا بالدرجة الأولى بمن يفوز باعتبار أن أي مرشح لا يستطيع المرور للصناديق من دون اعتماد مجلس صيانة الدستور، المخول باعتماد مدى أهلية المرشحين، ولكن الهم الأكبر لخامنئي هو ضمان الإقبال على هذه الانتخابات في ظل تراجع معدلات التصويت في الجولات الانتخابية الأخيرة بسبب تزايد مستويات الكراهية للنظام بين مختلف طبقات الشعب الإيراني.

السؤال الآن: هل سيكون هناك بالفعل أي جديد في حال وصول رئيس متشدد للسلطة في نظام الملالي؟ الجواب أن الجديد ليس في جعبة من سيخلف روحاني، بل في جعبة المرشد ذاته، فهو من يحدد سياسات كل مرحلة ويضع لها شروطها وسقفها، وبالتالي فأي اختلاف لا يتوقف على من يأتي ومن يرحل، بل على نوايا خامنئي وتوجهاته.

drsalemalketbi@