عبدالله العولقي

العولمة وعالم متعدد الأقطاب

الخميس - 11 مارس 2021

Thu - 11 Mar 2021

في عهد الرئيس السابق ترمب سعت واشنطن إلى تقويض بكين وكبح جماح التنين الصيني ونموه المتزايد حتى يبقى العالم أحادي القطبية بقيادة البيت الأبيض، لكن الإدارة الحالية لم تتخذ حتى الآن خطوات جادة تجاه النمو الصيني، ففي تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية أن بكين أضحت تلعب أدوارا ذكية للغاية، حيث تستخدم الابتكار التكنولوجي كوسيلة ناعمة لتحقيق أهدافها دون اللجوء إلى الحرب، فالشركات الصينية وبصورة مذهلة تلبي احتياجات كل دول العالم من جميع مستلزمات البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس، ويقدم موقعها الشهير «علي بابا» صورة حداثية للعولمة تربطها مع كل الشركات الدولية ومع التجار الأفراد حول العالم، فالصين تسعى إلى تدشين عالم متعدد القطبية وفرضه كواقع دولي.

يرى بعض المراقبين للحالة السياسية الأمريكية أن الأوضاع تتجه نحو عالم متعدد القطبية بسبب الخلافات السياسية الحادة والمتفاقمة بين الحزبين الرئيسين في الحكم الأمريكي، فنمطية الإدارة في البيت الأبيض خلال الفترات الرئاسية الأخيرة أضحت تتجه نحو أسلوب نقض الإدارة السابقة في قراراتها ومنهجيتها تبعا لاتجاهات اليمين واليسار المهيمنة على ذهنية الحزبين كحالة استثنائية وغريبة في تاريخ الولايات المتحدة، مما سمح لبكين وموسكو بصورة أو بأخرى الاستفادة من تناقضات الحالة السياسية الأمريكية.

فلو تأملنا الوضع الأمريكي الحالي، فسنجد على سبيل المثال أن حالة التجمد الفظيعة التي ضربت ولاية تكساس الغنية بثروات النفط، قد أثارت مشاعر السخط والغضب في نفوس الأمريكان بسبب انقطاع الكهرباء الكامل عن الولاية الذي تسبب بوفاة أكثر من سبعين أمريكيا، الإعلام الأمريكي تناول القضية بشيء من السخرية الفكاهية كون البنية التحتية الأمريكية قد أصبحت تنافس دول العالم الثالث في رداءتها، فلم تشهد الولايات المتحدة أية عمليات إصلاحية للبنى التحتية منذ أكثر من سبعين عاما!

في المقابل، نجد أن بكين التواقة إلى عالم متعدد الأقطاب تحتفل هذا العام بالقضاء على الفقر بعد أن نجح برنامجها التنموي من رفع أكثر من 100 مليون صيني من تحت خط الفقر بصورة إعجازية أدهشت اقتصاديي العالم، يقول الأستاذ إيميل أمين: لقد اعتنت الصين بفكرة التوسع في المدن، والاعتناء بقدراتها المتكاملة على استيعاب النازحين من القرى والقادمين من الأرياف، مما مكنها من إتاحة الفرص المتنوعة للملايين الراغبين في الوظائف وكسب مزيد من الأموال.

وأخيرا، بعد اجتياح الوباء الكوروني لجغرافيا العالم البشري، وتراجع النشاط الاقتصادي لأغلب الدول وانحصاره ضمن نطاق أطرها الجغرافية، تحدث البعض عن أفول العولمة وتلاشيها عن الوضع العالمي، لكن الحالة الفعلية تشير إلى أن هذه المرحلة استثنائية في التاريخ الحديث، يقول الأستاذ عبدالرحمن الحبيب: إن الاحتمال الراجح هو ظهور مرحلة جديدة من العولمة ولكن حتما ليس نهايتها، فالعالم متداخل، وقد تمت بالفعل خطوات رئيسية نحو دمج سياسات البلدان والمؤسسات الدولية، ودمج الاقتصادات الوطنية في الاقتصاد العالمي، فتكاليف إلغاء العولمة باهظة جدا، وأقرب إلى المستحيل.

@albakry1814