سالم الكتبي

كيف يتعامل الملالي مع «الهدوء المدروس»؟

الأربعاء - 03 مارس 2021

Wed - 03 Mar 2021

أتابع بدقة، وبحكم عملي كباحث ومحلل، التطورات المتسارعة في أزمة الاتفاق النووي الإيراني منذ عرض الإدارة الأمريكية إجراء محادثات مع طهران حول إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب في عام 2018، فوجدت أن الملالي يتجهون إلى زيادة التصعيد وفق استراتيجية «حافة الهاوية»، ورغم إبداء ثقتهم في رفع العقوبات الأمريكية رغم الخلافات، فإنهم لا يقدمون أي تنازل يعزز هذا الاتجاه، بل يذهبون في اتجاه معاكس تماما، فرفضوا مبادرة الحوار، واتجهوا إلى تعليق مهام التفتيش التي تجريها وكالة الطاقة الذرية وهددوا برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%!

الواقع يشير إلى أن إدارة الرئيس بايدن لن تقدم تنازلا يتعلق برفع العقوبات أولا كما يطالب الملالي، وفي ذلك أكد مسؤول أمريكي مشترطا عدم الكشف عن هويته «أيا كان مدى اعتقادهم أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات أولا، فلن يحدث ذلك»، ولكن الملاحظ هنا أن البيت الأبيض لا يطالب الملالي كذلك - كما كان الحال قبل أسابيع - بإعلان عودتهم لالتزاماتهم الواردة في الاتفاق النووي الموقع عام 2015 أولا قبل رفع العقوبات، بل يرى أن «أفضل سبيل لذلك، بل السبيل الوحيد هو الجلوس إلى المائدة حيث يتم بحث هذه الأمور»، كما قال مسؤول أمريكي. والمؤكد أن النقطة الأهم في المرحلة الراهنة بالنسبة للرباعي الغربي «الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا»، هو تفادي أي خطوة تغلق الباب في وجه الدبلوماسية، وهنا يبدو الموقف الأوروبي حذرا للغاية في مواجهة ما يصفه بـ «اندفاع» إيران (أي تسارع انتهاكاتها لالتزاماتها الواردة في الاتفاق النووي) و»تردد» الولايات المتحدة بحثا عن سبيل للتقدم.

الخطير في هذه المسألة أن يفهم الملالي الهدوء الغربي المدروس بشكل خاطئ، ويواصلوا انتهاك بنود الاتفاق النووي، على أمل أن يؤدي ذلك إلى وضع ضغوط أكبر على القوى الغربية، حيث يلاحظ أن الإشارات القادمة من طهران توحي بأن الملالي سيواصلون الضغط والتهديد سعيا للوصول إلى مبتغاهم، وظنا منهم بأن الرئيس بايدن لا يمتلك خيارات أخرى في التعامل مع هذا النظام، ويمكن الاستدلال على ذلك من تصريحات المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي التي قال فيها إن بوسع بلاده رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 % إذا أرادت لتقترب من نسبة النقاء البالغة 90 % اللازمة لصنع قنبلة ذرية، وكأنه يؤكد أنه منح الضوء الأخضر للتلميحات الصادرة عن بعض المسؤولين الإيرانيين مؤخرا بشأن إمكانية تخلي الملالي عن فتوى «تحريم» امتلاك سلاح نووي.

الواضح إذن أن الملالي يتعمدون تجاهل الإشارات الإيجابية التي ترسلها الإدارة الأمريكية الجديدة باتجاههم، ويواصلون الابتزاز والمساومة، وهذا أمر متوقع تماما، ولذا تحاول إدارة الرئيس بايدن الخروج من الفخ الذي ينصبه الملالي بإبداء صرامة محسوبة، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مؤخرا أن الولايات المتحدة لن تنتظر إلى الأبد، قائلا «صبرنا ليس بلا حدود»، وهي إشارة إلى قرب نفاد صبر الفريق الأمريكي الجديد، ولكنها قد تقابل في طهران بالارتياح لأنها تعني فاعلية الاستراتيجية الإيرانية القائمة على اعتماد سياسة النفس الطويل، سواء في مرحلة ما قبل التفاوض أو أثناء المفاوضات نفسها، وهو ما حدث تماما من قبل حين استغرق الحوار حول الاتفاق النووي سنوات عديدة انتهت بحصول الملالي على مكاسب استراتيجية عديدة في إطار اتفاق مليء بالثغرات، فتح لهم نافذة فرص غير مسبوقة للتمدد جغرافيا وتوسيع نفوذهم الاستراتيجي إقليميا.

الخلاصة أن إدارة الرئيس بايدن قد تجد نفسها مضطرة لمواصلة العمل وفق نهج الرئيس السابق دونالد ترمب بشأن العقوبات القصوى باعتبارها السبيل الأوحد للتعاطي مع التشدد الإيراني والإصرار على شرط عودة الولايات المتحدة أولا للاتفاق النووي، وفي ظل تمسك البيت الأبيض بالدبلوماسية كنهج وحيد للتعامل مع الملالي، ما لم تنجح الجهود الأوروبية في إقناع الملالي باغتنام الفرصة وإبداء مرونة مع المقترح الخاص بالجلوس على مائدة التفاوض للبحث في صيغ مناسبة لإنهاء أزمة الاتفاق النووي الإيراني.

drsalemalketbi@