علي المطوع

الضمير الأمريكي

الاحد - 28 فبراير 2021

Sun - 28 Feb 2021

جاء الديمقراطيون إلى سدة الحكم مسلحين بحقوق الإنسان في كل زمان ومكان، هكذا يقولون وهكذا يرددون وهكذا يضغطون ويبتزون.

بالأمس صدر تقرير الاستخبارات الوطنية الأمريكية حول ظروف وملابسات مقتل المرحوم بإذن الله جمال خاشقجي، تقرير أبرم بليل كتبته تركيا وسوقته اذنابها ودشنته أمريكا الديمقراطية كإصدار حقوقي يستخدم عند اللزوم.

هذه اللحظة في تاريخ الديمقراطيين تعد اللزوم الذي يقتضي فتح هذا الملف وإعادة بعثه من جديد كملف حقوقي يتماهى مع المبادئ الأمريكية الخالصة التي تدعم الحريات وتناضل من أجلها! الضمير الأمريكي يستيقظ اليوم على وقع هذا التقرير ليصبح ضميرا متصلا بحقوق الإنسان، يتبناها ويرعاها ويتعاهدها قضيته التي ينبغي أن تكون!

الضمير الأمريكي المتصل دائما يُبنى على انتقائية عالية فهو يركز على الملفات الحقوقية ويتعاهدها بالرعاية والعناية والاهتمام! فالقيم الديمقراطية الحزبية العتيقة ما انفكت تدافع عن حقوق الإنسان من الظلم والطغيان! وملف جمال ملف حقوقي يصلح أن ترعاه أمريكا وتطالب بديته وتبعات إقراره كون المتهم هي السعودية التاريخ والقيادة والوطن، وكونه ملفا انتقائيا ينسجم والضمير الأمريكي المتصل دائما بقضايا وملفات كهذه!

في الناحية الأخرى من المشهد الحقوقي في المنطقة نفسها ينفصل الضمير الأمريكي عن حقوق بني الإنسان، فجرائم سجن أبي غريب ما زالت ماثلة في الوجدان العالمي على مستوى الأفراد والجماعات والطائرة الأوكرانية التي أسقطتها المضادات الإيرانية ما زالت كذلك خارجة عن نطاق استجابة هذا الضمير ومساحة تأثيره، فهو منفصل لا محل له من الإنسانية والإعراب كونه ضميرا منفصلا غائبا عن المشهد أو مغيبا عن الحقيقة وشواهدها المرة.

أما آخر حالات هذا الضمير الأمريكي فهي الغياب الكامل، وفي عرف السياسة الغياب يعني الرضا، فعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساوئ، هذا الغياب يخلي الساحة الدولية لكثير من الانتهاكات الجمعية لحقوق الإنسان، فسوريا قتل فيها الملايين وهجر أكثر من ذلك وما زال هذا الضمير في سكرته غائبا عن هذه الحقائق بعيدا عن كل استحقاق حقوقي يمس الإنسان ومقومات حياته وعيشه، أما حضوره في المشهد العالمي الحقوقي فيظل مقدرا بقلق عابر لهيئة الأمم، أو متابعة للمشهد عن بعد لملء الفراغ الإخباري والدبلوماسي بجملة إنشائية كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع.

جمال خاشقجي مواطن سعودي اقتصت له العدالة السعودية من قاتليه، والمفترض أن يغلق هذا الملف، لكن اليسار العربي المدجن في تركيا والقديم والمستجد كان لهما رأي آخر، فلفقا فصول هذا الحدث وأعادا تدويرها في برامج قنوات ما وراء الخبر ليكون عابرا للحدود بلا حدود، ويكون صداه في أمريكا بلد المتناقضات، في مسرحية عبثية جديدة غابت فيها العدالة الإنسانية كالعادة في ظل حضور طاغ للضمير الأمريكي المنفصل وشقيقه الآخر المستتر.

@alaseery2