شاهر النهاري

وما أدراك ما جيرة السودان

الاثنين - 22 فبراير 2021

Mon - 22 Feb 2021

الوجه الأسمر اللطيف المقابل لوجه المملكة العربية السعودية، تحتضنهما شفافية البحر الأحمر، الناقلة للمشاعر، فكأنهما فلقتا قمر واحد.

وشعب السودان العربي المسلم يحمل في جوفه لوحات فسيفساء من الحضارات القديمة ببقايا حضارات كرمة وكوش والإسلام، ومن الأعراق واللغات المحلية أكثر من 300 لغة، ومجتمعات (البجاء، التجرية، والبداويت) في الشرق، والنوبية في شمال السودان من مدينة دنقلا حتى مدينة أسوان بأهاليها (الدنقلاوية والحلفاوية).

وجماعات ولغات غرب السودان (الجور والفلاتة، والهوسا والزغاوة والفور والداجو والمساليت)، وقبائل عربية، بلهجات عدة مثل (الجعليين والبقارة، والشكرية)، وكلهم دون استثناء يزخرون بأصالة الكرم والنخوة ويقابلون ضيفهم بالترحاب ويشاركونه ما يمتلكون من كسرة، وقراصة، وعصيدة.

ومنذ استقلال السودان 1956م، وحتى يومنا هذا، ظل يموج بين الدولتين والشعبين تناغم واحترام ومحبة وصدق وتواصل أصيل، بفعل روابط خير لا تهتم بقيادات تتغير، طالما أن الصورتين على جانبي البحر الأحمر تستمران مضيئتين، بالمشاعر الصافية والمحبة والتقدير، والتقارب غير المشروط.

وفي 1967م، عقدت بالخرطوم قمة (اللاءات الثلاث)، للملمة الجراح العربية بعد النكسة، وبحضور الملك فيصل بن عبدالعزيز، والرئيس المصري جمال عبدالناصر، حيث برز الدور السوداني النقي الفاعل في عملية المصالحة بين الشقيقتين السعودية ومصر، وبالتالي عمق وأكد أواصر الثقة بين السعودية والسودان.

وبعد ذلك، بل وقبله منذ مئات السنين، كانت وفود وقوافل وسفن الحج والعمرة تتجه من القطر السوداني إلى قبلتهم بلاد الحرمين الشريفين، بمشاعر أنهم في وطنهم، ضمن كرم الوفادة والرفادة والضيافة، التي تساوي بين الضيوف وأهل الدار.

الحكومات السعودية المتعاقبة كانت دوما تتذكر الجيرة الوفية، وتمد أياديها بالعون، وتقف معهم في كل أزماتهم البيئية والسياسية، والاقتصادية، بمفهوم ضرورة حفظ حقوق الجار الأقرب، وكان الإخوة السودانيون من أوائل من شاركوا السعودية في نهضة صناعة البترول بعمالتها ومدرسيها وتناغمها الحميم، وتواجدهم في الزراعة والرعي والبناء والتكامل، حتى إن الكثير من الأسر السودانية حلت بين مدن وقرى السعودية، والتحق أبناؤها بالمدارس والجامعات، ومضت عليهم السنوات الطوال، وهم جزء من تنوع المجتمعات السعودية، تحتضن الإخوة بكل ترحاب.

ولن يتسع المقال لحصر مواقف السعودية مع شقيقتها السودان، ولكن وبمرورنا على المرحلة الأخيرة، نجد كيف أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، يقفان بكل إخلاص مع الإنسان السوداني، بقروض تنموية تعدت الثلاثين مليارا، وجاهزية مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في معالجة أحداث الفيضانات والأمطار والجوع والأوبئة على أرض السودان، ومساعدة الدولة على تخطي أزمة هيمنة الإخوان على السلطة، ووقوفها مع الشعب المنكوب، الذي كان يحتاج للرفيق الصادق، واليد القوية، والعلاقات الدبلوماسية مع أكبر دولة في العالم لرفع دولة السودان عن قوائم رعاة الإرهاب العالمي.

وللسعودية رؤية حالية تنعش ذاتها وجيرتها، وتدعم كل محب للتقدم والنماء والمشاركة والسلام، والسودان خير جيرة دائمة لأرضنا وحماية لحدودنا، ومشاركة معنا في حرب تحرير اليمن.

ومن جاور السعيد يسعد، ولا بد أن يكون للسودان معنا رؤية مستقبلية في توطين السلام والنماء والبناء، والحفاظ على أمنها وكامل أراضيها وحقوقها المائية، واللحاق بركب التقدم لمزيد من الإخاء والوعي، والحلم باعتلاء ظهر فرس السبق.

shaheralnahari@