موفق النويصر

تفتيت وزارة الإعلام

السبت - 20 فبراير 2021

Sat - 20 Feb 2021

في سياق اهتمامها بالإعلام والثقافة، طرحت عليّ ابنتي إلانه، الطالبة بالصف الثاني الثانوي، سؤالا عن أسباب فصل وزارة الثقافة عن الإعلام، ولماذا تفرعت عن الأولى الحديثة عدة هيئات، فيما ظلت الثانية القديمة على هيئتيها اليتيمتين، اللتين يدل اسم كل منهما على الشأن نفسه تقريبا (هيئة الإذاعة والتلفزيون) و(الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع).

بالنسبة للسؤال الأول فلدي إجابتي الخاصة، وهي أنه عندما نظرنا للثقافة بشمولية أكبر، بعيدا عن حصرها في الكتاب والأدب بمشتقاته الضيقة، كانت النتيجة ولادة 11 هيئة، تعنى بأوجه الثقافة المختلفة، فالأولى تختص بالأدب والنشر والترجمة، والثانية بالمتاحف، والثالثة بالفنون البصرية، والرابعة بالأزياء، والخامسة بالمكتبات، والسادسة بالأفلام، والسابعة بالموسيقى، والثامنة بالتراث، والتاسعة بفنون العمارة والتصميم، والعاشرة بفنون الطهي، والأخيرة بالمسرح والفنون الأدائية.

أما السؤال الثاني فأثار لدي فضول معرفة حقيقة الفرق بين هيئتي وزارة الإعلام وبالتالي مهامهما، وبعد قراءة ما هو مدون عنهما في موقع الوزارة، وجدت أنهما متشابهتان من حيث تشابك المهام وعموميتها وعدم تحديدها بوضوح، فهيئة الإذاعة والتلفزيون تسعى لإيصال رسالة المملكة إلى جميع المناطق محليا وعالميا بالكلمة والصورة، ورفع مستوى الأداء الإذاعي والتلفزيوني وتطويرهما، وتتبع لها عدة قنوات حكومية ورسمية ما بين تلفزيونية وإذاعية، فيما تعنى الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع بتنظيم القطاع والإشراف عليه في إطار يضمن منهجية واضحة لجميع أصحاب المصلحة من مستفيدين ومنشآت وعاملين في هذا المجال، وفقا للسياسة الإعلامية للمملكة.. وإلى ما هنالك من سرد هو أقرب إلى العلاقات العامة منه إلى تحديد المهام.

شخصيا، أغبط وزارة الثقافة على وزيرها المبدع الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان الذي لم يتوان منذ أن تولى المهمة في يونيو 2018 عن ربط مشروعه برؤية 2030، فجاءت مخرجاته على شكل هيئات تغطي جميع أوجه الثقافة، فكون لها المجالس، وأناط بها مسؤولية استقطاب أفضل الكفاءات في المجال، مع منحها الصلاحية الكاملة للتطور والنمو، بما ينعكس إيجابا على قطاع الثقافة بشكل عام في المملكة.

كما أطلق 27 مبادرة، بدأت بمجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، ثم صندوق «نمو» الثقافي، فمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وبرنامج «الابتعاث» الثقافي، وبينالي الدرعية، والفرقة الوطنية للمسرح، والفرقة الوطنية للموسيقى، والمركز الموحد للخدمات والتراخيص الثقافية، وبيوت الثقافة، وأكاديميات الفنون، ومبادرة الكتاب للجميع، وانتهت بالجوائز الثقافية.

في المقابل ظل «الإعلام» حبيس أفكاره التقليدية والمراوحة مكانها، برغم تولي وزيرين لحقيبتها في ذات الفترة، قبل أن يُكلف الدكتور ماجد القصبي، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بإدارة شؤونها بالإضافة إلى أعباء وزارة التجارة.

الأكيد أن القصبي ومنذ اليوم الأول بدأ بالتحرك في جميع الاتجاهات، فالتقى بمختلف منسوبي القطاع، سواء في الوزارة أو هيئاتها أو الجهات المنضوية تحتها، كما سمع معاناتهم وخططهم وكيفية معالجتها.

ولم يكتف بذلك، بل خاطب جميع الجهات ذات العلاقة في الحكومة، وحث فرق العمل لديه على تذليل الصعاب قدر المستطاع.

واستقطب الكفاءات من خارج الوزارة وعينها على رأس الهيئات لمعالجة قصور القطاع.

إلا أن المهمة ليست باليسيرة، والصعوبة تكمن في تعدد أوجه القطاع وبالتالي اختلاف تحدياته، والقيادات الجديدة مهما بلغت قدرتها وكفاءتها الوظيفية، لن تكون ملمة بجميع ميادين الإعلام من صحف وقنوات تلفزيونية وإذاعية وفضائيات وإنترنت وسينما وتطبيقات بث مرئي وسوشال ميديا، والتي ظلت لسنوات طويلة تعاني من معوقات منعت تطورها ونموها بالشكل اللائق والصحيح.

فالتلفزيون ليس كالإذاعة أو تطبيقات البث المرئي، والمؤسسات الصحفية بهمومها ومشاكلها لا تمت لتحديات السينما بصلة، بل إن القطاع الواحد تختلف متطلباته باختلاف توجهاته، فالتلفزيون الرسمي والقنوات الإخبارية لها رؤية بعيدة كل البعد عما تحتاجه القنوات الترفيهية، والقنوات الرياضية مشكلتها ليست في علاج قصورها فقط ولكن في كيفية استعادة المشاهد السعودي المختطف من القنوات العربية والأجنبية. والمؤسسات الصحفية بأنظمتها البالية منذ عقدين تحتاج لإعادة هيكلة تساعدها على مواكبة تغيرات المرحلة المتسارعة يوما بعد آخر.

واقع الحال يشير إلى أن قطار إصلاح منظومة الإعلام يسير ببطء شديد جدا، ورغم حرص الوزير القصبي على سرعة الإنجاز، إلا أن تعدد المشاكل وتجذرها يجعلان حركة التغيير غير ملموسة، ما يزيد من الضغوطات على القطاع والعاملين فيه، الأمر الذي يقودنا إلى حقيقة ثابتة، وهي أن عدم المعالجة وفق متطلبات اليوم سيكون بلا فائدة غدا، ليس لأنها لا تلبي احتياجاتها فحسب، بل لظهور مشكلات أخرى غير التي يتم العمل عليها.

لذلك لا أرى حلا لمعضلة الإعلام سوى بتفتيت هيئتيه أسوة بوزارة الثقافة، بحيث يتولى كل فرع من أفرعه هيئة مستقلة تُشكل من أصحاب الدراية بالمجال، وتعرف يقينا ما يحتاجه وكيفية معالجة مشكلاته، فتتضح لها مكامن الخلل سريعا ويسهل عليها حلها، كما يسهّل ذلك من عملية الرقابة والمحاسبة التي ستضمن عدم العودة للمربع الأول مجددا. وبخلاف ذلك سنظل نراوح مكاننا لعشرين سنة قادمة، وننتظر اليوم الذي نستطيع أن ننظر فيه للإعلام بذات العين التي تنظر للثقافة.

alnowaisir@