عبدالله الزرقي

في المسموح!

الأربعاء - 03 فبراير 2021

Wed - 03 Feb 2021

كان يتحدث بطريقة عصبية وخشنة جدا، لماذا تُعلن الوظائف للأجانب بينما أبناء البلد عاطلون عن العمل بالرغم من كل القوانين الداعمة لسعودة الوظائف؟ لماذا الأجنبي يجد فرصة تلو أخرى بمجرد انتهاء عقده بينما السعودي ما إن انتهت خدماته أو استقال لظروف خاصة يبقى كالبيت الوقف لا يستفاد منه؟ ولا يجد الفرصة التي يجدها الأجنبي؟!

تبسم صاحبه ابتسامة عريضة وقال له: إن كنت تريد أن أجيبك يجب علينا أن نضع النقاط على الحروف، ونناقش الموضوع بشكل عقلاني ونعرف ما لنا وما علينا حتى لا نظلم أنفسنا والآخرين.

الأجنبي الذي تتحدث عنه لا يعمل وحده فهو يعمل ضمن منظومة متسقة اسمها الوطنية، فيجد التعاطف من قبل أبناء جلدته في أي قطاع، فهم رحماء فيما بينهم على الأقل عندما يكونون بعيدين عن أوطانهم، يساعد بعضهم بعضا ويجدون البديل سريعا لمن يفقد عمله. لا تلمهم فهم يمدون يد العون لبعضهم ويعلمون ظروف بلدانهم الصعبة، ولذلك تكاتفهم تبرره أخلاقيات وطنية بحتة، يشعرون بالانتماء بعضهم لبعض في الغربة، ولذلك تجدهم يسارعون بالفزعة والوقفة لكل من فقد فرصته.

على النقيض تماما تجد السعودي، لا ينتابه ذلك الانتماء لأبناء بلده، في رأيي، فبمجرد أن يذهب من مكانه لا أحد يسأل عنه أو يساعده أو يواسيه أو حتى يكلف نفسه عناء البحث معه لبديل يسعفه لمجابهة ظروف الحياة.

سأله: ما تبريرك لذلك؟ هل نحن فاقدون لهذا الحس الوطني أم إننا نشعر بالغيرة والحسد تجاه بعضنا؟ بل وفي بعض الحالات نشعر بالشماتة ونقرأ نشوة الفرح واللوم في عيون من نعتقد أنهم منّا وفينا ومن ثوبنا ومن لحمنا ودمنا؟

أجابه: الموضوع له شقان:

الأول: رب العمل ليس لديه ذلك الحس والغيرة التي تتكلم عنها، فهو رجل أعمال وما يهمه في المقام الأول استمرار تضخم ثروته، بعيدا عن العاطفة الوطنية التي نشعر أنت وأنا بها، وكل من هو مُستخدم يعيش على مرتب وظيفته. فهو يعتقد أن ماله من حقه وحده وهو مصيب في ذلك، وله كامل الحرية بالتصرف به كيف يشاء، بعيدا عن العواطف والشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بالنسبة لحسابات رجل الأعمال الشخصية.

الشق الثاني: بعض السعوديين دمر الصورة الجميلة لكثير من الكفاءات الوطنية بسلوكه الأرعن وعنجهيته ومشاغبته وعدم التزامه بأنظمة وقوانين الشركة، فكانت هذه التصرفات مثل الذي يحرق الجسور أثناء خروجه من البلدة، فلا يجعل له خط رجعة ولا يجعل لغيره صورة حسنة.

سأله: هل نحن ندور في حلقة مفرغة لا نهائية قد تتسبب في تراكمات لا تحمد عقباها؟

أجابه: لا يا عزيزي، كما الموضوع له شقان فالحل أيضا له شقان من نفس أصل المشكلة.

الأول أن يستشعر كل رب عمل وطنه، وأن من أبسط واجباته القيام بدور أخلاقي وطني تجاه وطنه وأبناء وطنه، بخلق الفرص الجيدة لهم مع أسلوب إداري محفز للاستمرار والدعم الحقيقي لكي بحصل على نتائج حقيقية. أما الثاني فهو أن يلتزم الموظف السعودي بأبجديات العمل المقررة عليه، وأن يراعي الله في مكان لقمة عيشه، وأن يعتبر خدمته في القطاع الخاص أو العام خدمة لوطنه ومواطنيه، فأي هزة لهذا الكيان هي هزة اقتصادية تنعكس بدورها على كل موظف.

بعد أن هدأت نفسه واقتنع قناعة جزئية، قال لصاحبه بعد تنهيدة ونفس عميق: سأقول لك ثلاث كلمات في إطار المسموح: فتش عن الوطنية!