شاهر النهاري

الديمقراطية ظهر عوارها

الخميس - 21 يناير 2021

Thu - 21 Jan 2021

حينما كانت الدول العربية تعاني من إرهاب القاعدة والإخوان وداعش، وإرهاب حزب الله، والحشود الشعبية المسلحة، والحوثي، ظلت دول الغرب تستغرب من عدم قدرة الدول العربية على السيطرة على الفوضى، والدمار والقتل، والخلايا النائمة، والذئاب المنفردة، ورفعت عقيرة ديمقراطيتها المفاخرة والمنزهة لذاتها عن عدم منطقية ما يحدث، وشددت على أن نقص الحريات في الدول العربية، وعدم تطبيق الديمقراطية هو سبب ما حدث للشرق التعيس قبل وبعد الخريف العربي!

ألمانيا قررت بديمقراطيتها أن تثبت نظرياتها عن حقوق الإنسان، فاستقبلت خلال أشهر بسيطة مليون مهاجر من شتات الشرق.

وشاركتها الدول الديمقراطية الأخرى، فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وكندا بنفس النظرية والتطبيق، متباهية بانتصار الديمقراطية فيها للإنسان وحقوقه، مطالبة بمزيد من المهاجرين، ممن اعتقدت أنهم ضحايا عدم تطبيق الديمقراطية والحريات في الشرق الأوسط.

ومرت عدة سنوات، وكانت دول الديمقراطية تظهر سماحة وسذاجة ودعائية، وتدعي المقدرة والوعي والإنسانية في تعاملها مع المهاجرين، وتمكنهم حتى في برلماناتها، ومؤكدة قدرتها في تغيير ما بهم، بالديمقراطية والرعاية والحقوق والحريات.

مهاجرون تجمعوا في تكتلات اجتماعية بعد أن أعطتهم الحكومات الغربية المواطنة والسكن والمصروف، وخلقت لهم فرص العمل، وسمحت لأموالهم بالتدخل في الصحافة والإعلام، ومراكز البحث العلمي والجامعات، ومكنتهم من حرية تعليم أبنائهم بنفس لغاتهم ومناهجهم القديمة، بل إنها هيأت لهم دور العبادة والتجمعات والمنابر بكل سذاجة وطمأنينة، ظنا منها بأن الشر سيزول بمجرد العيش في أجواء الديمقراطية، وأن الإنسان عندما يجد ما كان يفتقده من أمن وحرية، لن يلبث أن يصبح جزءا منتجا في مجتمعات خير إنسانية متقدمة تبحث عن الهدوء، وتصنع السلام.

وما جهلته دول الديمقراطية أن زعامات ورواد أفرع الإسلام السياسي كانوا مختبئين بين المهاجرين، يتحايلون ويخططون، ويتلقون الأموال من داعميهم في الشرق، ويتسابقون على شراء مقرات العبادة، والتي بقدرة قادر تصبح مقرات حشود وتجمعات سياسية، لها أسس وأهداف تخريبية تبنى بصيغ المذاهب المختلفة، وتظل بحرصها متناحرة، تبدع في التحريض العلني، وتجنيد اليافعين، وتشجيع المخربين، بل إنها طورت طرق الإرهاب، فالمسجد يعتبر منطقة الإعداد والتدريب، والسلاح الأبيض يكفي، والدهس يغني، والتعدي بمسدس، أو حتى بحجر يؤدي الغرض.

نعم لقد فشلت دول الديمقراطية في التعامل مع المهاجرين، فلا هي استطاعت مراقبتهم خشية تحجيم حقوقهم الإنسانية، ولا هي تمكنت من إجهاض خططهم الشريرة، بدواعي تمكين الحرية، فأصيبت قوات أمن تلك الدول بالحيرة والعجز، وفشلت قوانين الديمقراطية عن السيطرة وحفظ الأمن.

عمليات الإرهاب تفاقمت في دول الغرب مؤخرا، ما جعل بعض الحكومات تبادر بالمطالبة بسن قوانين تسمح لها بنسيان الديمقراطية حينما يختص الأمر بتوقع حادثة إرهابية كما حدث في فرنسا مؤخرا، وقيام الرئيس الفرنسي ماكرون بتجميد قوانين الديمقراطية، ووضع المهاجرين تحت الرقابة اللصيقة في المساجد، والتجمعات، ومتابعة ما يحدث فيها من محاضرات، ومناهج، وتدريب، وتحفيز، وتوجيه، وتمويل للإرهابيين.

يا سبحان الله كيف أن الديمقراطية أثبتت نقاط ضعفها، ونقص جدواها عندما اصطدمت بالجهل وتعسر الأيديولوجيا، وغسيل عقول الناشئة.

الديمقراطية نظام رفاهية يستحيل تطبيقه على من يأتون من جوف الخوف والضياع، ومعابر الموت المحقق، وإدمان التبعية المطلقة العمياء للألسن المرددة للتراث المذهبي وقدسية تطويع المستقبل لعودة الماضي.

shaheralnahari@