مرزوق بن تنباك

حرب الثلاثين عاما

الثلاثاء - 19 يناير 2021

Tue - 19 Jan 2021

في تاريخ أوروبا حرب مشهورة عرفت بحرب الثلاثين عاما، قسمت أوروبا دينيا إلى طائفتين كبيرتين اللوثرية والكاثوليكية، وقسمت الأرض إلى عشرات الممالك والإمارات والإمبراطوريات واستمرت من عام 1618 إلى عام 1648م. دمر فيها من أراضي ألمانيا الحالية 2000 قلعة و18000قرية و1500 مدينة ونقص الرجال إلى الثلث وزادت النساء، مما أجبر الكنيسة على قبول التعدد والأمر به، ومنع التحاق الرجال في الأديرة والكنائس إلا بعد تجاوز الستين من العمر لشح الرجال وقلتهم نتيجة تلك الحرب.

خلقت الحرب تحولات كبيرة في القارة الأوروبية غيرت ماضيها، وكانت شؤما على أهل تلك الحقبة التاريخية، ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد مر على الحرب المشؤومة التي يخوضها الوطن العربي في هذا الوقت ثلاثون عاما، إذ بدأت حرب صدام واحتلال الكويت في 1991 واليوم نحن في 2021م أي إنه مضى ثلاثون عاما كاملة، نفس المدة التي قضتها أوروبا بحروبها حتى استفاقت على مصيبتها.

كانت أعوام العرب اليوم تشبه أعوام أوروبا وحروبها، حيث ما زالت تشتعل في أكثر من مكان وتخوضها أغلب الشعوب العربية بالأصالة أو الوكالة، دخلتها دول وجماعات وأحزاب من غير العرب، وكانت ميدانا عريضا للمصالح والأطماع، قسم العراق وأضعفت الدولة وتركت بلا قوة مع تهجير الملايين وقتل مئات الآلاف، ودمر فيها ما يزيد على ما دمر في ألمانيا آنذاك، وقل سكانها من الرجال وبقي النساء أغلبية فيها، ومثلها الحرب الضروس في سوريا التي قتلت وهجرت الملايين ودمرت الآثار والديار أيضا، وقامت العصابات والدويلات، وتقطعت أو صال الشام ومزقت وحدتها، ومن الشام إلى شمال أفريقيا العربية، ليبيا وما فيها من حروب وقتل وتهجير من طوائف المرتزقة، وامتدت إلى الساحل الأفريقي.

ومثلما كانت أسباب حرب الثلاثين عاما في أوروبا حربا طائفية بين الكاثوليك والبروتستانت، كانت الحرب العربية حربا في ظاهرها طائفية قسمت المنطقة إلى ولاءات ومذاهب وتوجهات ومغامرات، واختلطت السياسة بالدين وضاع الناس بين الدين والسياسة.

لكن أوروبا أدركت في النهاية أن الحل الوحيد الممكن هو السلام والتعايش، فجنحت إليه وانتهت إلى الوئام، ولم تحسب الأرباح ولا الخسائر، وتجاوزت الأحقاد والضغائن، ودفنت الثأر، وبدأت حياة جديدة وعصرا مسالما قاد إلى النهضة الصناعية التي نقلت الحضارة الغربية نقلة نوعية، وهي ما تعيشه الآن من أمن ورغد وقوة.

أما حرب الثلاثين عاما العربية فقد ملأت النفوس بالثارات والأحقاد، وفتحت أبوابا كثيرة للشر، ودخل منها العدو قبل الصديق، والغشاش قبل الناصح، والغريب قبل القريب، واختلط فيها البر والفاجر، بدأت بحماقات صدام حسين وعدوانه الغاشم على دولة الكويت، وجرت معها ما في النفوس المشحونة من مكامن الغضب والانتقام من عوام الناس الذين استغلهم المؤدلجون وقذفوا بهم في أتونها، واستمرت تأكل الأخضر واليابس ولا تنتهي في مكان من الوطن العربي حتى يشعلها الحمقاء في مكان آخر.

أما حان الوقت لصوت العقل الذي تأخر كثيرا لينهي هذه الحروب المدمرة والفتن التي يثير بعضها بعضا، والبحث عن كلمة سواء بين الفرقاء وأهل الخصومات وتجار الحروب، والعودة لرشدهم والبحث عن طرق السلام، حان الوقت لينسى هؤلاء الثارات ويستشعروا ما يجب عليهم نحو مجتمعاتهم وأوطانهم. تكفي ثلاثون عاما من العدوان ومن الحرب والفساد، ليكون للعقل ولكلمة الحق وللعودة إلى الصواب مكان، وللعقلاء والمصلحين موقف مما يحدث.

Mtenback@