أحمد الهلالي

مصلح يثير شكوكا حول أرباح الأطباء!

الثلاثاء - 19 يناير 2021

Tue - 19 Jan 2021

خرجنا من شاليه الدكتور عشوان بعد وليمة فاخرة، وتفاجأت بنقرات على الزجاج الجانبي لسيارتي، فكان الشاب السبعيني مصلح، يتساءل: أخبروني بأنك عائد إلى الطائف، فهل تحتاج إلى أنيس؟ فابتسمت ورحبت به، ومضينا، لكني اضطررت إلى فتح الزجاج بسبب التجشؤات الطويلة المتواترة المزعجة، يطلقها مصلح دون تحرج، فقلت في نفسي لقد ضرب في النعمة حتى بلغ التخمة!

سألته: هل تعرف الدكتور؟ فأجاب: نعم، أنا أحد مرضاه، أتعالج عنده من القولون الهضمي. قلت: واضح. فنظر إليّ نظرة صقرية حادة، وقال: هل تتهكم على مريض؟ أنت مسكون بالكبر، لقد رأيت إنزالك للزجاج كلما تجشأت، يا أخي راعِ شعور المرضى، فصمتُّ ولم أرد على (النشبة)، ثم بعد دقائق قال: هل رأيت الأبهة في شاليه الدكتور؟ رأيت العز؟ ويقولون في قصره أضعافها، وأسطول لأفخر السيارات، ليتني تخرجت طبيبا، فما كنت عرضت نفسي لإحراج الركوب مع جارح المشاعر!

ثم نظر إليّ قائلا: لو جئت مبكرا لركبت معنا في العشواني. قلت: ما العشواني؟ قال: يخت الدكتور، جال بنا جولة بحرية ساحرة، بودي أنها أسبوع كامل، فقد شعرت أن جزءا من اليخت لي؛ فأنا أراجع عيادته منذ 7 سنوات. قلت: في أي مستشفى؟ فضحك وأجاب: هل تتحدث جادا؟ هل تظن أن ذلك المستوى المعيشي الفنتازي لطبيب يعمل في مستشفى حكومي؟ هذا يا حبيبي أنشأ عيادة خاصة في مجمع طبي، ثم بدأ مشوار (الزُرق)، وعنده 20 عيادة الآن، ضم توجه مصلح إليّ ورفع يديه وأصابعه اليابسة متأهبا للعد، لا أذكر أنني راجعت عيادته بأقل من 3000 ريال، الدخول عليه بـ 800 ريال وقبل الدخول نتائج التحاليل 1300 وصور الأشعة بـ 500 ثم أكمل الباقي في الصيدلية 400 ريال وهكذا، فما بالك بالمرضى الذين لديهم مشاكل أكبر؟

قلت له: حدثني بما يعقل، واضح أنه شاطر وله سمعته، وهذه الأمور مكلفة، فإيجار العيادات ورواتب الموظفين، وأسعار الأجهزة وصيانتها، كل هذا مكلف، فضحك وقال: أنت ساذج، الأمور لا تدار بهذا الشكل، فيقال إن شركات الأدوية، والمختبرات، ومراكز الأشعة، والتجهيزات الطبية، تمنح الأطباء نسبا ومزايا لا تخطر على بالك، فيأتي الجشعون أمثال صاحبنا ويكلفونك فوق استطاعتك من أجل تلك النسب، فأنا مثلا: لا أحتاج إلى تحاليل ولا أشعة كل شهر، لكنني ملزم بها رغما عني، وأزيدك من الشعر كوخا، الجالسون إلى جواره هم الشركاء، صاحب شركة المختبرات ووكيل الأجهزة الطبية ومديرة مراكز الأشعة!

تشاغلت بمكالمة عن ثرثرة مصلح، فأخرج مغلفات من جيبه ظننتها أدوية، وحين تبينتها وجدتها بعض العلب الصغيرة التي كانت على المائدة، فضحكت وقلت لماذا أخذتها؟ فقال: كما تفعل حين تستأجر في فندق باهظ فتأخذ مغلفات الشامبو واللوشن لترد بعض ما نزفته محفظتك وقهقه بصوت مزعج، فأقسمت ألا أكلمه، فواصل تجشؤه حتى وصلنا الطائف، وحين نزل صفق الباب بعنف وقال: كنت لك نعم الأنيس، أيها المتغطرس البئيس!

ahmad_helali@