شاهر النهاري

ذا لاين.. أساطير الآخِرين

الاثنين - 18 يناير 2021

Mon - 18 Jan 2021

أنا أتحدث بلسان جيلي، الذي كان قد تشبع بأحلام وأوهام أساطير الأولين، وجعلها حجة لتفسير كل عجيب غامض يصعب عليه تفهمه، وتخيله، مثل العفاريت المردة والقمقم والسحر والمعجزات وبساط الريح والمصباح، وغيرها، ولسنا مثل شباب هذا الجيل، الذي وجد نفسه أمام أساطير الآخِرين، مستوعبا لخطواتها ومراحلها العلمية الدقيقة، وكيف أن بها ما يفوق الأساطير، وما يجعل سندباد العصري يجري في البلاد، يبحث عن معرفة وكنوز، ويطوي البعد، ويكتشف ما لم يكن ليعرفه لو ظل حبيسا في مغارة الماضي، محاولا استذكار كلمة السر «افتح يا سمسم».

وأقول أساطير الآخرين حتى لو ضحك مني أهل هذا الجيل، لأني أجهل مفرداتهم وألعابهم، وعوالمهم الافتراضية، وأقف بفم فاغر أمام ما تابعناه في شرح رجل المستقبل الأمير محمد بن سلمان عن مشروع السحر الحقيقي، وعاصمة عجائب الأبعاد المتناهية ذا لاين، برؤية ونهج غير مسبوقين، وتقنيات تفوق الوصف، ونقاء في الأرض وسمائها، وحركة نشطة تحت أديمها، وفي نتاجها من الهيدروجين الأخضر، ومن طاقة الشمس، وهي تحيي الموات، ومن أنفاق تحوي كبسولات التنقل، ومدينة عصرية صفرية الضوضاء والشوارع والسيارات والعوادم، والتعديات على الطبيعة، ذات مجمعات سكنية تلبي حاجات الساكن بخمس دقائق مشي، وحدود مدينة تقطع في عشرين دقيقة، ومصانع حبيبة لا تفسد للود طبيعة، ولا تزيد الفضاء إلا نقاء، ولا تقلص شعاب البحر الغنية البكر، ولا تهش طيرا ولا مخلوقات!

أريد هنا أن أضرب جبهتي بكفي بشدة، كي أثبت لنفسي مصداقية ملامسة عصر الخيال هذا، وأتخيل أبنائي وأحفادي يعيشون ضمن ذلك العالم الأسطوري، ويضحكون كلما رأوني عاجزا عن التعامل مع الآلات: تدير، تبيع، تكنس، تنظم الأمور الحياتية، تخدم بديمومة وتوازن وتفان عجيب، لا أستطيع وصفه إلا بأساطير الآخرين.

كيف أصدق أن أتحدث مع شاشات، وأنا أبحث عن معالجة، فأجد من يتولاني وينقلني فيها كيانات مصنعة بدقة وبمنتهى القدرة والطواعية والأمان، ألم أقل عنها أساطير الآخرين؟

العاصمة ذا لاين مثال أنموذجي لعدد كبير من المدن الذكية النقية يتم خلقها في منطقة نيوم، محتوية على سعادة وسياحة لا محدودة، فلا يحضر لها الزائر إلا وهو سندباد التعمق في الغموض المكشوف، وبلوغ كل الأجوبة للأسئلة المستحيلة، التي كان يبحث عنها، في مرتفعات وثلوج جبال اللوز، وشواطئ الفيروز، وجزر الخيال، وسهول وطعوس البعد والقرب الواعي.

من يسكن هناك يجب أن يكون من أهل الآخرين، أهل الطواعية والتأقلم والتحول والترقي، وممن يدركون كيف تصبح الأساطير واقعا، يجعلهم جزءا متناسقا مع الأمل والحلم والأعجوبة والمعجزة وهي تتحقق، ويقين أنه سيكون محركا لأحد برمجيات المصانع النقية، المزودة بعوامل الإبقاء على الثروات الطبيعية، ومستحثات الرؤية، التي بدأت ولن تنتهي، وأن الشباب والعقول، والتميز هو ما يجب أن يبقى، وغير ذلك فليعد القهقرى.

تلك هي مدن المستقبل، التي ستعيد للأرض كرامتها وخضارها أمام من افتروا فيها، وعملوا فوقها التهاويل، وسرعوا من فناء طبقات الجو والتربة، ومستويات المياه والجليد، وأفنوا أنواعا كثيرة من المخلوقات، وسببوا الاحتباس الحراري، وخروم الأوزون، ونشروا مخلفات صناعات الأولين بغازاتها، ومخلفاتها القاتلة لبيئة الحياة.

هنيئا للشباب من أهل الآخرين المتحققة أساطيرهم، التي لا يقدر على صنعها إلا أهل العزم والهمم والمصباح.

shaheralnahari@