مريم سفياني

«باردايم الأعوام»

الاحد - 17 يناير 2021

Sun - 17 Jan 2021

ها نحن نقف وقد ودعنا بالأمس عاما من أعمارنا. عام أخذ منا وأخذنا منه، وغاب عنا بكل تفاصيله وألوانه، ولم يتبق لنا منه إلا الذكرى بحلوها ومرها، ومع ذلك ها نحن نترقب بشوق وفضول، لنكتشف هذا القادم الجديد على حياتنا.

نحلل كل التفاصيل ونخمن الأحداث، لكي نصدر الحكم والقضاء في كونه وكنهه، فهل يا ترى يستحق أن نطرح على طاولته خططنا وأهدافنا، أو نشاركه طموحنا للمستقبل، أم إنه سيخذلنا ويطوي معه كل خططنا وأحلامنا كما فعل سابقه؟!

هذه الفكرة هي ما يجعلنا نتردد ونثاقل الخطا لنسير أو نستقبل الأعوام، تعبنا من التردد والخوف، وفي ذات الحين سقمت وسئمت أهدافنا وأحلامنا من أعوامنا ومن التعلق بها. ونحن نكافح أنفسنا ما بين رغبة الإنجاز والحياة، وبين مشاعر التوقي والحذر، التي تحاول أن تحمينا من الخيبة والألم.

صراع حاد كل بداية عام تخوضه نفوسنا في العمق وبصمت، ما بين: هل نظهر لهذا العام ونصادقه ونشاركه أحلامنا ونحمله مسؤولية تحقيقها، أم نخبو وندس ما عندنا من أحلام ورغبات ونواريها في صندوق بعيد حماية لها ولنا، وحتى نتخذ القرار سنكون في مقعد المراقب والمتصيد لهذا العام مراقبا مخاطره ومتحينا للفرص التي قد تتاح فيه، تلك الفرص التي قد تواتي أحلامنا على حين غرة، وتنقذها من بئر الخيبة وغدر العام، إنها كالسيارة التي أدلت بدلوها في جب يوسف لتنقذه من الخيبة والغدر.

وكل هذه الأحداث والمعارك والزفرات تحدث فقط لأننا لم نتخلص من خوفنا من الخسارة، ومن ذكرياتنا المهينة التي خلفتها فينا التجارب فخلقت «Paradigm « منظور أو مقياس ذاتي نطبقه على كل مفاهيم ومعاني الحياة من الفرح أو الحزن وكذلك النجاح والإنجاز، فعندما تواجهنا صعوبات في صعود سلم النجاح الذي رسمناه وخططناه، نلقي باللوم على كاهل الأعوام الرديئة في رأينا وكأننا مراقب جودة أو مسؤول يملك الاختيار وإيجاد البدائل للأيام والأعوام والزمان!

وبعد هذا اللوم والصراع ننصب الانفعالات الواقية حارسا على أحلامنا وأهدافنا ومشاعرنا، فتقيها من الظهور أو التخطيط أو ربطها مع الأيام والأعوام. فنتصرف بعدائية شديدة تجاه أهدافنا وخططنا السرية، ندسها ونواريها عن العيون، ونبطش بكل ما يذكرنا بها أو يحاول إخراجها من باطننا.

ولو تبصرنا أو تعقلنا حقيقة أنفسنا كما أمرنا خالقنا، في قوله تعال «أولم یروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا یبصرون» سورة السجدة 27. لوجدنا أن عناصر النجاح والفوز والفرح والتمكين هي من أنفسنا، وسنجد أيضا أن الخسارة والبؤس والألم هي ضمن ازدواجية أنفسنا، وأن انفعالاتنا الوقائية وجدت لتقينا من ازدواجيتنا بالداخل ولتحمي أحلامنا من العشوائية ومن مقياسنا القاسي المغلف بالعدائية والوقائية تجاه توقعاتنا وإنجازاتنا.

وربما نفهم من موضوع ازدواجية الرغبة والشعور أن مقاييس النجاح تختلف، ليس من شخص إلى آخر، بل على صعيد كل هدف أو رغبة توضع أو تصنع بأنفسنا، فاعلم أن المقاييس التي تفرضها على نجاحك وتحقيقه، قد لا تكون صحيحة أو حقيقة كما يريك إياه Paradigm شخصيتك.

فنحن من وضعنا الأسس وبنينا المقياس لتحقيق الذات بناء على انفعالات وقناعات وغايات، وكل هذه لا تنتهي ولا تقف أبدا ما دام أننا أحياء، فالغايات تتجدد دائما، والقناعات تختلف وتتطور، وحتى الأحلام تتغير، فأنت الآن تختلف عما قبل بضع سنين، فتجربتك الإنسانية مليئة بالاختلاف والازدواج والتباين، فنحن ما نفكر به كما قال ديكارت «أنت تفكر إذن أنت موجود»، ولكن هل نملك التفكير نفسه دائما؟

فماذا نتوقع من هذا العام؟ إذا كان جل ما تعلمناه من أعوامنا الماضية هو الانتظار، فسنظل ننتظر فحسب، وإن كان ما تعلمناه هو العدائية والهروب من كل الأهداف والخطط، فسنظل كذلك مع توالي الأعوام.

عندما ندرك حقيقة الحياة والسنين والأعوام، سندرك أننا نحن من وهبنا تلك السنين والأعوام الحياة، وأنها هي من تنتظرنا وتتوقع منا وليس نحن!

فأنت الحياة، والحدث والذكرى، والإضافة لكل الأعوام. ولا يليق بك أن تقف في موقف المتطير بعام والمستبشر بآخر، ولا المحلل أو الحكم والقاضي فيها، فعامك هذا هو جزؤك وبعضك وجزاؤك لكل ما حصدته في نفسك أو في عالمك من عمل.

يقول الحسن البصري رحمه الله: يا بن آدم إنما أنت أيام، كلما مضى يوم مضى بعضك.

فعود نفسك وتأهب لوليدك الجديد من الأعوام، واخلع له نظارتك المعتمة، وأبصره بنظرة المتأمل، ثم قل له: مرحبا بابني البار من السنين.

وكل عام وأنتم بخير ما دام أن الخير ينضح من عيونكم.