بندر الزهراني

خاتمي في طوارئ الجامعة!

السبت - 16 يناير 2021

Sat - 16 Jan 2021

يقول: لي زميل نسيت اسمه الآن، كان قد أهداني ذات مرة خاتما من الألماس، ولأنني لست من هواة لبس الخواتم وضعته في مكان ما، غير مكترث أو مهتم به، ومرت خمسة أعوام أو تزيد وأنا لم ألبسه، ولا أعلم مكانه، ولم أفتقده فأبحث عنه، وفجأة وجدته ملقى هكذا مع بعض أشيائي القديمة، فأخذته ولبسته، وليتني لم أفعل! فبعد هنيهة من الزمن هممت بإخراجه فلم أستطع، وحاولت بكل ما أوتيت من قوة وحيلة، ولكنني فشلت، ثم ذهبت مباشرة إلى غرفة الطوارئ بالمستشفى الجامعي، وهناك كانت المفاجآت التي لا تخطر على البال!

يقول: في غرفة الطوارئ كي يفحصك الطبيب ويعاين حالتك، يجب أن تمر بثلاثة أنواع من التسجيل؛ تسجيل معلومات عامة، تسجيل معلومات صحية، ثم التسجيل الالكتروني، وعليك الانتظار وتحمل الآلام حد العذاب أو تكتب لك النجاة، ولأنني كنت مضطرا مررت بالتسجيلات الثلاثة وانتظرت قرابة الساعة حتى خرج علينا الطبيب، فلحقت به وقلت له بلطف: يا دكتور هل ترى حلقة هذا الخاتم حول أصبعي! فأومأ برأسه أي نعم، قلت: أقسم أنني أشعر بها وكأنها حول عنقي، من فضلك حاول إخراجها الآن، فرد ببرود وهو ينظر في أوراق بين يديه: لا أستطيع حتى يأتي دورك ثم تُعطى سريرا ثم نتصل بأبطال الدفاع المدني فيأتوا ليقطعوا هذه الحلقة، وأفهمني أن هذا هو النظام المتبع ولا يمكنه القفز فوقه.

يقول: أخبرت أحد الأصدقاء بقصة الخاتم وغرفة الطوارئ فاستنكر عليهم أولا ثم ذكر لي أن إدارة المستشفى الجامعي تضم نخبة النخبة من الإداريين المحنكين ومن ذوي الخبرة في إدارة المستشفيات، وأن المستشفى هذا قد نال كذا وكذا من الاعتمادات العالمية والحوافز المالية والجوائز المعنوية، ثم يقول: وقد يكون كلام هذا الزميل صحيحا، ولكن الخبرة والجوائز والاعتمادات لا تكفي، ولا تعني شيئا إن لم تكن حاضرة خاصة في غرفة الطوارئ!

يقول: في غرفة الطوارئ إياها كنت أراقب كل حالة جديدة تمر بالتسجيلات الثلاثة، وكنت أستفسر عن أحوال أصحابها، وكان يقال لهم ما قيل لي، والكل كان يتذمر وينتظر دوره وهو يتوجع، ثم يقول: وبينما نحن كذلك فتح الله على قلبي فتحا مبينا، فأخذت جوالي وبدأت أبحث عن الحل في «قوقل» بعيدا عن طوارئ الانتظار، فلما وجدت ما أريده تركت الطوارئ وعدت إلى المنزل فورا، وأخرجت الخاتم في بضع دقائق، بمجرد اتباع نصائح طبيب أمريكي كان قد نشرها في مقطع على اليوتيوب.

وعطفا على تجربة صاحبنا هذا، ومن باب نيل المطالب بالتمني، نقترح على إدارة المستشفى الجامعي إضافة تسجيل رابع يضاف لخطة التسجيلات الإبداعية الثلاثة، فلربما نالت به اعتمادا جديدا ومزيدا من الأضواء الإعلامية، مثلا لو يقومون بنصح المرضى وحثهم على مشاهدة مقاطع يوتيوب للبحث عن العلاج قبل المجيء للطوارئ والدخول في التسجيلات الثلاثة! فلعل هذا يساهم في التخفيف عن الأطباء من كثرة العمل المضني فيتفرغوا هم للاستعراض بالبالطو الأبيض والمشي في الممرات الموحشة بآلام وأنّات المرضى، ولا بأس فيما بعد إن طالبوا لهم وللإداريين منهم ببدل انتظار مريض!

في مستشفيات أمريكا والعالم المتقدم، يباشرون الحالات الطارئة قبل تسجيلها، ثم يقومون بالتسجيل أثناء أو بعد معالجتها والاطمئنان على أصحابها، مهما كانت الحالة الطارئة، وعلى أية حال لا بد أن نكون واقعيين عند النقد والمقارنة، فتلكم أمريكا وتلكم إدارتها لمستشفياتها، وفي الوقت نفسه ينبغي لنا أن لا نعمم، فما رآه صاحبنا في غرفة الطوارئ ليس كل شيء، فلا بد أن هناك استثناءات مشرفة لحالات إنسانية وخدمات راقية لم تقع عليها العين الناقدة بعد.

الغريب والمثير في قصة هذا المسكين ليست أحداث الطوارئ، ولا ألم أصبعه وتورمه، ولا الحيلة الذكية المنشورة في مقطع اليوتيوب التي استفاد منها، ولا حتى في العين الناقدة التي رأت وروت كل شيء عن المستشفى الجامعي، لا، ولكن في هذه الذاكرة البائسة التي لم تسعف صاحبها ليتذكر زميلا أهداه خاتما، وأي خاتم! خاتم من الألماس الثمين! كم هي ضعيفة ذواكر هذه الأجيال وجديرة بالطوارئ!

drbmaz@