ياسر عمر سندي

مهبط الوعي.. عناق ووفاق

الأربعاء - 13 يناير 2021

Wed - 13 Jan 2021

جميع البشر يعيشون على هذا الكوكب ضمن منظومات تكاملية قننها الباري عز وجل وأحكم انسيابيتها ودورانها، فانضبطت تداخلاتها وتتابعت أولوياتها، ومنظومة التقارب البشري هي إحدى المنظومات التي ترتكز على محور الإنسانية لإعمار الأرض بتنمية القدرات وتعزيز الإمكانات لتحقيق التعارف الذي أمرنا به العلي القدير لتقليص فجوة الاختلافات بين الشعوب والقبائل.

أتحدث هنا عن حقيقة قمة العُلا من عمق المنظور النفسي والاجتماعي والمعرفي ومن وجهة نظري الخاصة، في هذا المحور تحديدا، أرى بأن القمة التي فاجأت الجميع محليا وإقليميا وعربيا وعالميا، التي إن جاز لي التعبير أن أسميها مهبط الوعي من حيث التقاء قادة الخليج العربي واستشرافهم الاستراتيجي للمنطقة، وهذا الوعي يكمن في إعادة البناء النفسي والتأهيل الإنساني وتفعيل التقارب المعرفي.

منطقة الخليج منذ القدم هي محط أحداث زاخرة بالموروث الاجتماعي والأدبي الأصيل بين أبناء الإقليم الواحد من حيث الثقافات المتقاربة، التي تكاد تتآلف وتجتمع في جسد الخليج العربي بلبس ثوب واحد وبشت وعمامة وعقال، من منطلق روابط الدين واللغة والدم والعادات والتقاليد الضاربة في جذور شبه الجزيرة العربية، والتي تعد من أشد العوامل المعززة لتماسك النسيج الاجتماعي الخليجي، فلا تكاد تخلو دولة أو مدينة أو قبيلة أو عائلة إلا وهنالك رابط من ذوي القربى والرحم بين دول الخليج، والذي أفرز فكرة التعاون الاستراتيجي لحماية الأمن المشترك لدرع الجزيرة.

بلا شك أن أهداف قادة دول الخليج حفظهم الله ترتكز على تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة، والعلا سجلت تاريخيا اجتماعا أخويا من نوع آخر، حيث تجسد في ذات المقر قمة للوعي المعرفي والفكر الاستراتيجي والتوجه المصيري من خلال اختيار العلا لعقد القمة الـ 41 وطرح المواضيع المشتركة التي من أهمها حماية مقدرات دول مجلس التعاون الخليجي الإنسانية والاقتصادية والتقنية والعسكرية وإنعاش روح المجلس بالمصالحة التاريخية بعد طول الفراق الذي تبعه العناق ليدوم الوفاق، بمشهد وكأنما تعانق الشعبان السعودي والقطري بالاحتضان والشوق والحنين لتصفية ما علق من السنين، ليتجلى ذلك الموقف بأصداء الفرح والسرور التي طغت على ردود الأفعال المسجلة على وسائل التواصل الاجتماعي وقت إعلان فتح الحدود الجوية والبرية والبحرية والانطباعات المشاعرية والأخوية التي طغت على مجتمعات دول الخليج قاطبة، من المواقف التي شاهدناها على القنوات الإخبارية لدول المجلس التي تؤكد قوة اللحمة ومتانة الانسجام والتناغم.

لماذا العلا تحديدا اختيار استراتيجي لعقد القمة؟

العلا وهي جمع للعليا تقع شمال غرب المملكة، وسبب التسمية يرجع إلى عينين مشهورتين بالماء العذب، وكان حولهما نخل شاهق العلو، وهي عاصمة الأنباط الثانية قديما، بما تركوه من نقوش ورسومات ومنحوتات تعتبر كنوزا لا تقدر بثمن تمتلكها المملكة، وأرى أن مصطلح القوة الناعمة من حيث الجانب المعرفي في صناعة السياحة، التي تراهن عليها المملكة في قادم الأيام من خلال ما تحتضنه هذه المنطقة من موروث جاذب للسياح يتمثل في حضارة هذه المنطقة، وهي من ضمن المواقع الأثرية المسجلة بمنظمة اليونسكو وفي فبراير عام 2019، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله رؤية العلا، التي تهدف إلى تطويرها بأولوية قصوى لتحويلھا إلى وجھة عالمية للتراث، مع الحفاظ على الإرث الطبيعي والثقافي للمنطقة. والجولة التعريفية التي قام بها الأمير الشاب مع ضيوفه الكرام ما هي إلا تطلع توثيقي وإيذان تطبيقي لعمل خطة مستقبلية لصناعة مفهوم السياحة بتغيير الصورة الذهنية، لمواكبة رؤية 2030 وهدفها الاستراتيجي الأول، وهو تنويع مصادر الدخل وإيجاد فرص عمل جديدة لجذب الشباب الطموح بفكر جديد وآلية عمل مستحدثة، ترتكز على جودة خدمة السائح ورفع قيمة الممتلكات الأثرية.

العلا مهبط الوعي ومرآة الثقافة والمعرفة، شهدت لقاء العظماء وسجلت الوعي الذي يتمتع به قادة الخليج بصياغة الرؤى المستقبلية، ليكون مصيرنا واحدا وشعبنا واحدا.. الله أكبر، فليعيش خليج ضَمَّنا.

@Yos123Omar