رابعة منصور

النسوية التويترية.. انتماء بلا مؤهلات أو إنجازات!

الاثنين - 11 يناير 2021

Mon - 11 Jan 2021

على مستوى الوطن العربي، حين نسمع أو نقرأ أسماء مثل: هند نوفل، هدى شعراوي، مي زيادة، نازك العابد، أنيسة نجار، ونوال السعداوي، يتبادر لأذهاننا رأسا قامات فكرية نسائية عربية، قامات مثقفة رصينة وإن اختلفنا مع بعض طرحهن أو جُله، لكن تلك القامات حققت في بُلدانها إنجازات جدية تُرجِمت على أرض الواقع لصالح المرأة، فضلا عن الإنجازات الأدبية والصحفية التي ساهمت في خلق إدراك مختلف للمرأة والنظرة إليها.

إنجازات بعض تلك النسوة تعدت حدود أوطانهن كما في حالة نوال السعداوي على سبيل المثال.. فماذا عما يعرف بـ»النسوية» السعودية؟

للحديث عن «النسوية السعودية» لا بد من التوقف عند ثلاثة محاور: زمن الظهور، أدوات الظهور، مؤهلات من انتمى لهذا الاسم.

ظهر ما يعرف بـ «النسوية» السعودية بعد انطلاق أضخم برنامج ابتعاث في المنطقة والعالم. كانت أهداف البرنامج أبعد بكثير من منح درجات علمية مميزة للشباب السعودي. الغاية من البرنامج كانت ضخ فكر وثقافة جديدتين للشعب، بهدف إيجاد القاعدة الشعبية والمناخ الملائمين لإنجاز خطط المملكة الطموحة المتوائمة وعالم سريع التغير بفروض اقتصادية عالمية. ولتحقيق المبتغى مُنح الشباب فرص خيالية متساوية لكافة أطيافهم ذكورا وإناثا، وتوجه البرنامج لأكثر المجتمعات تحفظا، وبمنتهى السخاء تخطى كل المعوقات المجتمعية التي تعوق أي مواطن في أن يحظى بفرصة الابتعاث.

ولكن في حقبة برنامج الابتعاث السعودي الاستثنائي أيضا، وفي زمن تسيد السوشال ميديا وفي فضاء الحدود السيبرانية المفتوحة، وصعود نجم التسميات المطاطة المفتقرة للمعايير! كان نصيب السعودية ما يسمى بـ»النسوية السعودية»! التي لم تشبه أي نسوية أخرى، لا في الأبطال ولا في النتائج! فقد أسقط فضاء السوشال ميديا عن النسوية التويترية كل الأدبيات الفكرية والثقافية التي ميزت القامات النسائية العربية التي تسنمت يوما ما الحراك الحقوقي النسائي في بلدانها.

«النسوية السعودية التويترية»

انحصرت في أسماء نسائية معدودة جدا، وأسماء وهمية كثيرة في فضاء تويتر! ونتيجة لغياب أي أدبيات للانتماء لهذا المسمى، وغياب الشخوص الاعتبارية في هذا الانتماء، فقد أتاحت تلك العوامل للجميع دون استثناء أن يطرح فكره تحت مظلة حقوق المرأة. ربما لم يتعد ذلك الطرح أحيانا سوى أحلام فردية في التغيير، أو أمنيات في عيش نمط حياتي معين يحاكي الدراما التليفزيونية! وأحيانا وربما كثيرا، انصبت تلك الرغبات في الحق في إقامة العلاقات الجسدية وواجب الدولة والمجتمع في تحمل تبعات تلك العلاقات وتقبلها!

وبين ليلة وضحاها وفي أصعب حقبة تمر بها المنطقة العربية سياسيا، فوجئ السعوديون بتدخل الشرق والغرب في الشأن السعودي! فقد ضمن الجواز الأخضر والجنسية السعودية جذب أضواء الشرق والغرب لكل من ظهرت بمقطع قصير تتحدث فيه باسم حقوق المرأة! وأعطيت كل من فعلت ذلك اسم «حقوقية أو ناشطة» لأن تلك التسميات مجانية ولا تتطلب معايير ولا مؤهلات! وضجت ساحات السوشال ميديا بوابل من الشتائم للرجل السعودي، شتائم وتبخيس طالا حتى الجنود في ساحات القتال! وآباء وأزواجا كادحين لأجل أسرهم، وكل فئات المجتمع بمثقفيه ومتفوقيه ومنجزيه وبسطائه! ووصل الشتم والتبخيس حتى لكل من رفضت ذلك القدح من النساء! حملات هجومية شعواء لم تبق ولم تذر طالت كل مفاصل وتفاصيل المجتمع السعودي بأفراده وثقافته وتاريخه وحاضره وإنجازاته ورموزه!

حملات تويترية لافتة ومريبة دخلت فيها أسماء شخصيات ومنظمات من كل دول العالم سخرت نفسها للجواز الأخضر فحسب! في وقت كان فيه هاربات وهاربون من حروب دولهم محتجزين في المطارات أو يعبرون المحيطات على قوارب الموت، يحلمون بمن ينظر لهم ولو نظرة شفقة وإنسانية! وترافق ذلك مع وجود حسابات تشجع على اللجوء ضمت أفراد من كافة الجنسيات! وارتبطت تلك الحسابات بمجموعات تنظيمية (قروبات) على تطبيقات مختلفة لتشجيع اللجوء، وكل ذلك باسم حقوق المرأة السعودية!

ثم ماذا بعد؟

هدأت العاصفة وتداعت الأسوار وسقطت الأستار واتضحت الصورة، وكشفت الأيام كثيرا من الأمور. ولعل تصريح صحيفة نيويورك تايمز وبريد هيلاري كلينتون الالكتروني الذي فضح استهداف ملف المرأة لتحقيق غايات سياسية، إضافة إلى الحسابات التي كانت تغرد بأسماء معروفة وأقفلت فجأة بعد كشف حقيقة أصحابها وأهدافهم، فضلا عن فضح بعض من انتمى للمعارضة صراحة لأسماء متورطة بالتحريض على اللجوء، بل واستغلال اللاجئات؛ كل ذلك مجتمعا برهن على أن القول باستغلال ملف المرأة السعودية لأجل تحقيق أهداف سياسية كان حقيقة وليس وهم نظرية مؤامرة.

وعلى أرض الواقع، أين هن اللاجئات اللاتي هربن بسبب العنف بحسب زعمهن؟ وأين قناعات المرأة السعودية اليوم؟ وأين ملف المرأة السعودية؟ أما عن اللاجئات فالإنجاز الوحيد الذي حققنه على ما يبدو هو حرية التعري والعلاقات والحمل خارج إطار الزواج! ربما كان عدم ممارسة تلك الأمور تحديدا هو العنف الذي تعرضت له اللاجئات! إذ لم يوجد بينهن من أنجزت علما يثري وعملا يُحترم إلا الندرة اللاتي تعلمن ضمن برنامج الابتعاث الحكومي!

قناعات المرأة السعودية اليوم باتت أكثر دقة في نسب الأسباب، وأوفر رصانة وعمقا في فهم مشهد المرأة محليا وعالميا، وأصلب ثقة برؤية القيادة تجاه قضاياها، وغير متهاودة مع ما يمس أمنها وسيادة وطنها، من مبدأ أن كل ما يمس بلدها بشرا وحجرا هو مساس مباشر بها.

أين هو ملف المرأة السعودية اليوم؟

تعامل الحكومة مع ملف المرأة بدأ فعليا منذ زمن، ورغم كل الإنجازات الريادية المنظمة والمتسارعة لتمكين المرأة، إلا أن العمل للاستثمار في المرأة ما زال مستمرا، وفق أهداف مرحلية وبعيدة تحقق رؤية المملكة الطموحة، المنسجمة مع الظروف العالمية والمتناسبة مع موقعها بوصفها قائدا إقليميا ومؤثرا عالميا.

الدولة تدرك تماما أن الإصلاح الاجتماعي جزء أصيل من الإصلاح الاقتصادي، وأن الظروف المجتمعية والصعوبات التنموية أوجدت مشكلات لدى فئات بعينها لم تعان منها مطلقا السعوديات في مناطق ومجتمعات أخرى، لذا يعتبر تصميم الدولة المبني على هذا الإدراك هو السمة البارزة التي على أساسها تسن القوانين المترافقة مع إجراءات فعلية على الأرض. ويظل إحداث التغييرات الفكرية هو الأصعب والأحوج للوقت لتحقيقه، وتظل المعادلة الصعبة هي في إحداث التغيرات البعيدة المدى بأثر إيجابي، وليس التغيير العشوائي لأجل التغيير والتماهي مع ثقافات هي أصلا في مرحلة تقييم لواقعها ومشكلاتها. لكن يبدو أن هذه الأمور الجوهرية يصعب جدا أن تدركها «النسوية التويترية»، فهي أعلى بمراحل من مستوى ومؤهلات إدراكها!

Rabeahmansoor@