أحمد الهلالي

القنديل في مواقف المناطق المركزية!

الثلاثاء - 22 ديسمبر 2020

Tue - 22 Dec 2020

طلبت سيارة من تطبيق الجوال توصلني إلى البلد، فالمواقف مرهقة تحمل همها أكثر من هم التسوق، وكأن أفكار العالم توقفت على تلك الأجهزة الكئيبة أو التطبيقات المعقدة أو الونشات (العقارب)، وصلت السيارة يقودها (مصلح) الشاب السبعيني، أشار بيده لأربط حزام الأمان، وانطلقنا (على البلد)، فسألني: لماذا تطلب سيارة إلى منطقة قريبة؟ تستطيع أن تمشي إليها في ساعة، كل المسافة 8 كيلومترات، فلم أجد ردا سوى ابتسامة!

وحين تحدثت عن المواقف، عزف ضحكة كصوت آلة الخراطة، وقال: لم تر شيئا، فالرأسمالية لا تبحث عن حلول للمعضلات، بل تضع معضلات داخلها لتحلها، فمعضلة المواقف في المناطق المركزية قديمة، ولم يستطيعوا حلها إلا بجعلك تدفع أموالا، لكي تتجنب استخدام سيارتك هناك، وهذا يحرك عجلة الاقتصاد، لأنك تدفع لشركات الأجرة كما تفعل الآن، أو تدفع لأصحاب المواقف، أو للمواصلات العامة (إن وجدت)، فأنت المعضلة وأنت الحل في ذات الوقت، وضحك!

لم أرد عليه بشيء، فصمت برهة، ثم قال: لم يعجبك كلامي، صحيح؟ فتحيرت أيضا فيما أقول، ثم أجبت: كلامك طيب، لكنه يظل نسبيا، فتنظيم المواقف محمود، لكن آليته ليست جيدة، لماذا لا يسوّقون البطاقات الممغنطة مسبقة الدفع والبوابات الإلكترونية، فهي ستوفر عليهم سحب السيارات والحجز، وستوفر على الناس عناء أجهزة العملة الموزعة على الأرصفة، والبحث عن سياراتهم المسحوبة.

تذمر من كلامي، وقال: يا سيدي، يبدو أنك (شايف نفسك) وهذا الكلام مردود عليك، فأنت ضد توظيف العاطلين، فمن هو سائق الونش؟ ومن هو سائق الأجرة الذي يقلك الآن؟ ومن هو موظف الحجز؟ لولا تلك المواقف لذهبت بسيارتك ووضعت نصفها في الشارع ونصفها على الرصيف كعادتك أنت وأمثالك، فمن الجميل أن أفكار البلد لا تتوقف عليك وعلى من هم على شاكلتك من الكسالى. كل هذا الكلام وأنا أنظر إليه وهو يسترسل في تناقضه وتقريعي، وكلما حاولت مقاطعته رفع صوته أكثر.

أغضبني أسلوبه، فقلت: نزلني هنا. فزاد من سرعته، وقال: بيننا عقد سألتزم به رغما عنك، فقلت: للأسف ظننتك عاقلا لكن المظاهر خادعة، فلم يرد حتى وصلنا وجهتنا، فالتفت إليّ وابتسم قائلا: يا سيدي، سعدت بك، أحببت استفزازك، فمجتمعنا معتاد على الموافقة على كل ما يتذمر منه، وكأن الآخر مخلوق ليطبطب على كتفك ويهز رأسه متعاطفا مع شكواك، أو مبجلا لمقترحاتك، وأنا منذ زمن أحاول أن أغير هذه العادة، فاخترت دور القنديل على دور المنديل، فإني حين أعارضك أجعلك تعيد النظر في الأمر، وكأنني أهديك إلى زوايا لم تكن تراها، وحين أوافقك فإني أحجب رؤيتك وأكتفي بتشرب دمعك حتى أبلى، أجرة السيارة (17 ريالا/ وأجرة القنديل 33 ريالا)، علينا الجمع، وعليك الدفع، وش رايك في السجع، ثم ضحك، وهممت أن أبكي!

ahmad_helali@