عبدالله الزرقي

البيضة والحجر!

الخميس - 17 ديسمبر 2020

Thu - 17 Dec 2020

كنت أشاهد فيلما قديما للعبقري أحمد زكي رحمه الله اسمه البيضة والحجر، وقد شاهدته بداية ظهوره عام 1990 وشاهدته قبل أيام، فالفرق بين المشاهدتين 30 عاما، وكان الطرح بين المشاهدتين مختلفا جملة وتفصيلا.

في التسعينات كنت أنظر إليه على أنه فيلم عابر لصنع الكوميديا والفرح، وفي 2020 فهمي للطرح تغير بالكامل، فقد جسد العملاق أحمد زكي واقعا تخديريا كنا نعيشه مع الأسف، اختطف أجمل أيام عمرنا من بساطة ومرح، وجعلنا قوالب مجمدة نكره الحياة ونتحفظ على كل شيء جميل.

كنا نعيش بسلام ووئام تحت تأثير ديننا المعتدل والمتسامح وتم توجيهنا وأدلجتنا إلى العنف والبغض والشك وتحريم كل ما هو جميل في حياتنا، حتى شككنا في لحظة أن الله شديد العقاب فحسب ونسينا أن الله غفور رحيم.

تلك الحقبة جعلتنا أناسا غير عاديين وجعلت منا أشخاصا متقمصين ثيابا ليست ثيابنا، كنا نرفضها في دواخلنا لكننا نخشى من عاقبة الأمر إن صرحنا بمخالفتها بأن ينالنا التفسيق والتكفير والنظرة الدونية من أقراننا الذين وقعوا تحت سحر الساحر.

هناك من لعب بالبيضة والحجر وجعل منا أدوات مجتمعية خاضعة مخدرة تستلهم تعاليمها ليس من سنة نبيها صلى الله عليه وسلم ومن إسلامها الصافي المعتدل، بل من دعاة حُسبوا علينا أنهم من أهل السلف وإذا بهم كانوا أصحاب أجندات وأهداف مخفية إلى أن تم فضحهم وكُشف الستار عن نواياهم.

لم تكن دموعهم ودعواتهم على المنابر إلا تقية يتسترون من خلفها لأهداف ومطامع للتخطيط للنيل من بلادنا وتبعية للمرشد العام خاصتهم.

كنا نستغرب من مناداتهم للزهد والورع ونفاجأ بأن هذا الزهد المصطنع لا يسري عليهم ولا ينطبق البتة، فتلك القصور والسيارات الفارهة والأرصدة المليونية لا تتوافق مع ما كانوا يدعوننا إليه.

التقيت بأحدهم صدفة في الطائرة وهو يعد برنامجا لتلفزيون الواقع وقد استأجر قلعة كبيرة في تركيا، والإقامة هناك لأشهر عدة مع عدد كبير من الشباب المغسولة أدمغتهم، سألته: من أين لكم تمويل إقامتكم وإقامة هذا العدد الضخم من الشباب؟ إجابته لي كانت أن الخير ما زال في أمة محمد. لم تقنعني إجابته، فتمويل مثل تلك البرامج لا يتأتى إلا من خلال تنظيم هرمي دقيق له أهداف مشبوهة.

كم كنا سذجا حينما لعبوا على وتر أغلى قيمة لدينا وهي ديننا العظيم، وكيف استطاعوا أن يحوروه لأهدافهم. ما زلت أتحسر أنا وجيلي ممن فقدوا الكثير من متع حياتهم الحلال، والتي للحظة فقدنا فيها الثقة بأنفسنا، هل نحن على خطأ والآخرون هم الصواب؟ أم إننا كنا مخطوفين أو مغيبين بعد أن غسل أدمغتنا والضحك علينا واللعب بمشاعرنا الدينية الطيبة؟

لم أكن أعي أن هؤلاء قد اتسموا بالخبث والغدر والترصد، وولاؤهم ليس لوطنهم، بل لمرشدهم الأعلى.

ما جسده العملاق أحمد زكي يمكن سحبه على الفترة المقبورة من عمر الزمن، ولكن بأدوات فكرية أعمق وأخطر، تهنا فيها مع من استطاع أن يلعب معنا لعبة البيضة والحجر.

unzorgi@