ياسر عمر سندي

صلاحيته بتاريخ نهايته

الأربعاء - 09 ديسمبر 2020

Wed - 09 Dec 2020

يحتاج الإنسان في غالب الأحيان ممن يمتلكون درجة الوعي المعنوي والإدراك الحسي إلى مساحة أكبر من حرية التفكير والتقرير الذاتي، ليعيش بطريقتين أولا الخروج عن هالة الإرادة، أي بلا تنميط أو تعديل و»تضبيط»، وثانيا التنحي عن أوقات الإدارة، أي بلا تأطير أو تغيير، وتسيير هاتين الطريقتين يجعل من الإنسان وحدة معرفية متكاملة محصنة بالخبرات، بعيدة عن العَرَض والمرض، وقريبة من الرضا الفكري والتصالح النفسي والاكتمال البدني، وهنالك جزآن مهمان في صميم التركيبة البشرية، يجعلاننا أكثر تألقا واندماجا مع الذات، هما العقل والقلب، وهما أيضا محورا الارتكاز لحياة البشر بموضوعنا «صلاحية الحب»، الذي سأسلط عليه الضوء.

الحب وما أدراك ما الحب، هذان الحرفان بين دفتيهما مفاتيح القلوب ومصابيح العقول، خاضا حروبا عديدة بين شعراء الرومانسية والعشق، وأشعلت وأطفئت بسببهما نيران الغرب والشرق، وبرز دورهما في الملحمات والمهمات والأزمات من قديم الزمان إلى واقعنا الآن، هذا المخلوق الخفي المتمرد بأشكاله وسلوكياته يترجم لنا كثيرا من أقواله وأفعاله.

سؤالي الذي أطرحه على نفسي أولا ومن ثم على الآخرين: هل للحب تاريخ صلاحية؟ يبتدئ به وينتهي عنده؟

رأيي الشخصي سأطرحه هنا خلال هذه السطور وبشيء من الفلسفة، وسأترك المجال لجميع القراء الأعزاء للإجابة عنه بشيء من حرية الوعي، بينكم وبين ذواتكم ومن ترونهم يتقنون فلسفة الحب وآلية المحبة، ولديهم استراتيجية خاصة في تعاملاتهم اللفظية والفعلية والإيمائية.

فلسفة الحب في نظري ليست لها قواعد محددة أو ظروف معينة، ولكن لها مواقف مسجلة، وأرى أن الحب يكمن في عشوائية السرائر وبعثرة المشاعر وطبيعة المصادر، والأخيرة هي منبع الحواس التي تعكس الإحساس.

القلب هو المصدر الرئيس للحب الظاهري والخفي، لكن العقل يعمل بصمت خلف الكواليس وأعده مايسترو الجوارح والموسيقار في إلهام نوتة العزف السلوكي بتناغم آلية العدل والاعتدال في التواصل والاتصال وآلية التوازن، هذه من المفترض أن تضبط الانحراف المتطرف لتعزيز العمل بالذكاء العاطفي وهو العقلانية، ودمجها بالمشاعر ليصبح لدينا ما أسميه التفكير العاطفي، وهو «الحياد في تفعيل آلية الفؤاد».

أرى أن صلاحية الحب ليست لها بداية محددة، ولكنها قد تنتهي بلا شك وترتبط بزوال المحب، وقد يرتقي ويبقى ويستمر هذا المحب بمكنونه وعطائه ووفائه حتى بعد وفاة الحبيب، وعلى النقيض من ذلك قد تنتهي صلاحية الحب ويفسد وربما يرمى في سلة مهملات الذكريات والسنين وصاحبه لا يزال حيا بلا حنين.

فلسفة الحب في نظري لها ثلاثة أوجه: إما حب التعلق وإما حب التألق وإما حب التملق، فالأول قد يخفق في فهمه أحد الأطراف، بل ويزداد فيه كيل بعير، حتى يصل في نهاية المطاف إلى النظر بعين واحدة، وهي عين التملك للمحب، ليسقط في المطب وهو العَرَض ما قبل المرض، وفي وجهه الثالث يظهر الحب بآلية التملق بفقد البصر والبصيرة، وتظهر سلوكياته في النفاق الشخصي والتزلف المصلحي، والتمكن المزاجي للمحب فيمن يحب، وهذا يؤدي به إلى هاوية المرض العضال، الذي يستلزم التدخل الجراحي لبتر السلوكيات الهوجاء والمسمومة والرعناء، أما التألق في الحب الذي يتميز بخير الأمور في الوسطية، هو ذاك المتبختر والطفل المعمر دائم الصلاحية كثير الشفافية، الذي يرفع صاحبة من قيعان المرض وينزل به من قمم العَرَض إلى درجة الاستواء للعاطفة والأداء.

كلنا ذاك المحب، لكن من يتقن درجة فلسفة الحب هو من يفهم ويدرك أماكن ومساحات غرف القلب، تلك الصلاحية التي أقصدها هي التي تصاحب الإنسان بوصفه بشريا في طبعه وصنعته وخِلقته وخُلقه، لا تنتهي بمجرد انقضاء العمر الرقمي، بل تستمر معه في نسيج العمق الإنساني، الذي يدفع الكائن البشري للتعايش بسلام وانسجام وود ووئام، وينتهي تاريخه بإذن ذاك المحب صاحب الصلاحية وموافقته، فيصبح الماضي سرابا والحاضر عُبابا والآتي ضبابا.

صلاحية الحب نستشعر إيجابيتها في الفلسفة النافعة المؤدية إلى الاستثمار العاطفي، ونتلمس سلبيتها في المصلحة الضارة، وهي الاستنزاف العاطفي الذي يحدد تاريخ النهاية لصلاحية الحب، فالرقي نجده في ثالوث الحب الموزون بين ضلعي العقل والقلب، وقاعدته الداعمة بالتفكير العاطفي، الذي يجمع بينهما، ذلك التأثير الطاغي لتتلاقى الأرواح بانسجام بين دفتي حرفي الالتزام، وهما الحاء والباء، ذاك الرابط المتحرر في قوته وهيكله وصورته ومنتجه.

فالحقيقة أن الأرواح لها توأمها لتتحد معها في حنايا الأبدان على مر الأزمان ولكن الأجساد تفنى وتبلى ورابطها يكمن في سر شعلتها لتبقى وتتجلى.

Yos123Omar@