ياسر عمر سندي

يوم الإفاقة العالمي

الأربعاء - 02 ديسمبر 2020

Wed - 02 Dec 2020

يصادف هذا اليوم الخميس الموافق 3 ديسمبر 2020 اليوم العالمي للإعاقة، وهذا التاريخ موجه لذوي الحاجات الخاصة، واعتمد وخصص من قبل الأمم المتحدة منذ عام 1992، لدعم من لديهم ظروف معينة، للاندماج مع عدد من القضايا المتخصصة التي تُعنى بالإعاقة على اختلاف أشكالها وأنواعها، وكذلك حفظا لحقوقهم وملكياتهم الخاصة المادية والفكرية والمعنوية.

على كل حال أنا لا أؤيد تحديد يوم واحد فقط في العام لتعريف العالم بمن قدر الله عليهم أن يفقدوا جزءا من أطرافهم أو جميعها، إما بسبب حادث مروري أو غيره من الحوادث أو خلل جيني ووراثي تسبب في الضعف الجزئي أو الكلي أو أثر على مركز التحكم الرئيس وهو العقل مصدر الفكر والإلهام.

الاندماج المجتمعي استراتيجية تسعى إليها معظم الدول الواعية والمدركة لإلزامية رسم الخطط المستقبلية من خلال الموارد البشرية القادرة والمنجزة، وأعني بهذين المعيارين الاستطاعة على استخدام المعرفة، وتوظيفها أيضا لينتفع منها الشخص نفسه، ويستفيد منها كذلك كل من حوله من أسرة وعائلة وأصدقاء والمجتمع ككل.

سأتحدث عن موضوع العَوَقْ الفكري والشلل المعرفي، وسأتناول ذلك من مبدأين، أجد أنهما محورا الارتكاز الإنساني: الفكر والمعرفة، اللذان ينبثقان من خلال نبض القلب وعمليات العقل، فإذا أصبح الكائن البشري المسمى الإنسان يعيش وقلبه ينبض بالحياة وعقله أيضا مفعم بالفهم والإدراك والتحليل والتصور والتخيل والربط المحكم للأحداث فإذن هو يستطيع أن يصارع الغول الخفي المسمى «المستحيل» بقوة الفكر، بل ويتغلب عليه أيضا بالمعرفة، وهنالك عدة معايير أجدها ضرورة يجب أن نعيها لنتعامل كفريق واحد في منظومة هذا العالم.

يخطئ كثيرون من حيث فهم معيار الصحة النفسية وربطهم ذلك - في الصورة الذهنية الموروثة والمكتسبة، بأن اكتمال البنيان في جسد الإنسان هو الأساس في العيش بتصالح مع الذات والنفس، وأن سلامة الأطراف والقدرة على الحصول على الكماليات الحياتية من الملابس والماركات والماديات والسفر واقتناء السيارات والشهرة تعكس الراحة والسعادة، وهو ما يروج له من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ويحدث على النقيض من ذلك إذا ما ارتكزت التنشئة الوالدية على تغذية صندوق الحكمة والرشد، وهو العقل، بالأساسيات من العلم والمعرفة، حينها حتما سيختلف فهم فلسفة الرضا والقناعة بسبب ربط التفكير بتمام الصحة النفسية في القدرة على تسخير مجريات الحياة، وعيشها بالوعي الذاتي ورجاحة العقل.

معيار الإنجاز والإعجاز أجده يعكس الصورة الذهنية عن الذات في الإجابة عن السؤال: ماذا أملك من إمكانات؟ وهذا تحديدا سيقيس في إجابته الفارق الجوهري للفجوة بين المعرفة من عدمها، وملء الفراغ المعرفي ورفع القيمة الذاتية، وحينها يتجسد الإعجاز المستدام للشخصية في المحصلة النهائية من خلال طرح منتجات العقل والفكر المستنير.

معيار الحافز الداخلي والدافع الخارجي لدى الإنسان، فجميعنا يحتاج الآخرين لرفع مستوى القيمة بالاحترام والالتزام والشعور بالسلام، لدفع ما نملكه في دواخلنا النفسية من الوقود الخارجي وإشعال الشرارة الداخلية المحركة للهمة.

العَوَق الفكري ينشأ من خلال ادعاء الكمال والاكتمال، والتشبع وعدم الرغبة في الاستزادة بما ينعش هذا العقل بكل ما هو جديد، والفقر المعلوماتي والشح الثقافي والاضمحلال الأخلاقي أقوى الأسباب التي تؤدي إلى الإعاقة في التفكير.

الشلل المعرفي أيضا يسببه عدم توظيف الإمكانات من قوة بدنية واستطاعة معرفية للاستفادة من الخبرات والقصص الملهمة، التي نعيشها في واقعنا العصري، فهنالك العالم الإنجليزي والفيزيائي الشهير ستيفن هوكينج صاحب نظرية الثقوب السوداء والكون، ونجد عربيا السعودي الأستاذ عمار بوقس الملقب بقاهر المستحيل، حيث أصبح كاتبا صحفيا بإصراره، وكذلك الداعية المعروف عبدالله بانعمه، جميعهم تمكنوا من إثبات أن الإعاقة في التفكير وليست في الأطراف.

المملكة رعاها الله أكدت على جانب الكيان والتمكين، بالاستثمار البشري بصفة عامة والتمكين بالدمج المجتمعي من خلال الرؤية المصوغة 2030 في صناعة الإنسان بالمعرفة، والإيمان بأن المحن هي أساس المنح، وبأن القوة المعرفية أسمى من الصورة الجسدية، وهي أساس تقدير الذات، وأن هذا اليوم هو يوم الإفاقة العالمي من سبات التراجع والتخلف والجهل، إلى البحث في الحكمة والمعرفة وتقدير العقل.

Yos123Omar@