محمد الأحمدي

من قائمة الإرهاب إلى قائمة الفساد

الثلاثاء - 17 نوفمبر 2020

Tue - 17 Nov 2020

انطلقت هذه الفكرة من حوار دار بيني وبين جاري البريطاني عندما زرته تحمدا على سلامة زوجته من كسر عاتقها، افتتح الحديث على غير العادة بتناول سوء حال الشارع الذي يشابه حاله حال زوجته والجبائر التي تحيط بها، وبدأ يتحدث عن تدني جودة المشاريع، معتقدا أن الشركات تقدم المال على الجودة، ولكنه لا يستفيض حتى يستدرك بأن على قدر ما يدفعه من الضريبة سيتلقى الخدمة.

في الحقيقة، حينما تحدث كنت أربط القصة التي يسردها بخلايا الفساد التي تطالعنا بها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بين الفترة والأخرى، وبحديث ولي العهد الذي شبه الفساد بالسرطان الذي استهلك ما بين 5-15% من الميزانية العامة خلال العقود الماضية. وبالرقم الذي أشار له سموه من التسويات المالية في الأعوام الثلاثة الماضية البالغ 247 مليار ريال، وبالنظر في هذا الرقم الذي يتعادل مع ميزانية الدولة كاملة لعام 2000 أو عام 2001، ويتقارب جدا مع ميزانية 2002 التي بلغت 258 مليارا، ويتساوى مع متوسط ميزانيات الدولة للأعوام الأربعة ما بين 2000-2003 المقدر بمتوسط تقريبي 247.75 مليار ريال. ويتضح التهديد البالغ الذي شكلته الظاهرة لمقدرات الدولة، مما دفع القيادة لاستئصال هذا الداء السام.

المملكة تسطر تجربة واقعية لاستئصال بؤرة الفساد، مستندة على عزم القيادة في تقديم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد، وعلى أبنائها المخلصين في كل المؤسسات، وعلى التراث المجتمعي العريق وقيمها الدينية في حفظ الحقوق، وهذه ركائز تسهل مهمة النجاح في محاربة الفساد.

لم تكتف الحكومة يوما من الأيام باستحداث المؤسسات الرقابية لتحارب هذه الآفة فحسب، بل دعت لتحمل المسؤولية المجتمعية والمبادرة في الإبلاغ عن الفساد وسبله المتعددة لتحقيق الصالح العام للمجتمع. فما زالت مقولة الأمير نايف -رحمه الله- بأن «المواطن رجل الأمن الأول» هي دستور للنزاهة في تقديم البلاغات عن المفسدين وتضييق الخناق على خلاياه النائمة.

أشرت في مقالي المنشور بعنوان «مخلفات الأطعمة ثروة» للمسمى العظيم الذي تحمله البلدية «الأمانة»، وما لبثنا إلا أياما حتى ظهرت صاعقة الخمسين، مليون في إحدى الأمانات بمختلفة الرتب الوظيفية، فالتمازج بين هذه المراتب جمعيها هو تنظيم سري أسس على الفساد.

حقيقة، اكتشاف علمية الفساد معقد، لأنها تلتحف بعباءة السرية، وتستند على العلاقات الشبكية الهرمية فيما بينها، لكنه ليس أمرا مستحيلا، في ظل المحاسبة المؤلمة على حد تعبير ولي العهد، والتتبع المالي الالكتروني، والحوكمة الرقمية للأنظمة، وبكل خطوة نحو حوكمة المؤسسات تقل سبل التلاعب بالأنظمة وتبعاتها.

لا شك أنه سيتحقق اكتشاف الفساد في ظل وجود نظام محاسبي رقمي رقابي عالي الدقة يتتبع الحركة المالية، ويربط البنوك التجارية، ومؤسسة النقد، ومناقصات المشاريع والعاملين بها مع هيئة الرقابة ومكافحة الفساد أو مؤسسات الدولة العليا، كمجلس الشؤون السياسية والأمنية للقضايا السياسية والأمنية، أو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في قضايا التنمية أو حسب تصنيف أهمية الأولويات للقضايا المستهدفة لتمكن المسؤول من رقابة الحركة الإجرائية التنفيذية لحظة بلحظة، وحصر الأسماء المتعلقة بكل ما يتعلق بالحركة المالية.

وبهذا يتم اكتشاف التحايل في مهده، والقضاء عليه في طور تكوينه من خلال قاعدة بيانات رقمية تدار بالذكاء الاصطناعي، القادر على إدارة القرارات وتتبع الإجراءات، وحتى زيارة أماكن تنفيذ المشاريع ميدانيا. فعلى سبيل المثال: الاستعانة بطائرات الدرونز القادرة على قياس سماكة الطبقة الإسفلتية والخرسانية للمشاريع سيقدم التقارير الدقيقة للمراحل التنفيذية. وبالمناسبة فقد نجحت ذات التقنية في تعرف المصابين بفيروس كوفيد - 19 في المجتمعات ذات الكثافة السكانية العالية.

إضافة لذلك، فإن تقنيات متابعة سلوك الآلة المسماة بجهاز التتبع الرقمي الذي يصدر التقارير اليومية عن أداء الآلات كمقدار الطاقة التي استهلكتها، وكمية المواد التي قامت بتنفيذها، وخريطة المواقع، وزمن العمل، وبصمة العاملين عليها، وغيرها من المعطيات، وإرسالها تلقائيا لصاحب الصلاحية؛ تسهم في معالجة انحراف الغايات، واكتشاف الأخطاء مبكرا.

لا شك أن القضاء على هذه الآفة المقيتة، سواء بالاستعانة بالقوى البشرية أو التقنية، سيدفع القوة الاقتصادية، ويحقق العدل الذي تنشده القيادة الحكيمة منذ نشأة الدولة، ويرتفع الثقة في المؤسسات الخاصة والعامة للداخل والخارج، وتتحسن الفرص الوظيفية للمجتمع، وترتفع جودة الخدمات العام ويتحقق مجتمع حيوي في محاربة الفساد.

alahmadim2010@